Al Jazirah NewsPaper Wednesday  08/09/2010 G Issue 13859
الاربعاء 29 رمضان 1431   العدد  13859
 
بجاد: معاناتهم في الحفاظ على استقلاليتهم.. وتيسير: رفع من سقف الحريات
(الجزيرة) ترصد آراء مهتمين بعد سبعة عشر «طاشاً».. واتفقوا: أعاد الاعتبار إلى الفن

 

أبها – عبدالله الهاجري

(شيخ المسلسلات) هو كذلك، عمل ظل طيلة سبعة عشر عاماً يقدم محتواه في خدمة دينه ووطنه ومجتمعه الإنساني, ليس فخراً فقط أن يكون العمل الأطول عمراً في الشرق الأوسط سعودياً خالصاً، لكن جماله تعدى ذلك، وتشهد بذلك مكتبة الكونغرس الأمريكي التي أرشفت العديد من حلقاته، وكذلك كبريات الصحف الأوروبية التي كتبت عنه.

خدم قضايا الأمة بكل شفافية, نبش عن الكثير من القضايا, وفضح سلوكيات بعض المسؤولين, وأوجد الكثير من الحلول، وعالج بعض المشكلات، وكانت حلقاته دواءً للعديد من الأوبئة.

طرح قضايا وكشف عما يدور في مجتمعات الإرهابيين وما يدور في فلكهم وتفكيرهم.

استعرض قضايا عربية مهمة؛ فلفت إليه الأنظار والإبهار، ومحلياً حلّل قضايانا واخترقها، وبات البعض في خوف من أن تأتي إدارته أو جهازه في حلقة تتناولها طاش بجرأته المعهودة.

(الجزيرة) تقدم هذه المساحة لسبعة عشر عاماً قضاها القائمون على طاش ما طاش، واستعرضنا آراء بعض المهتمين حول التغيرات التي أحدثها هذا العمل في المجتمع المحلي والعربي؛ فكانت أجوبتهم وفق الآتي:

بداية كان للزميل الكاتب والمفكر عبدالله بن بجاد العتيبي رأيه؛ حيث فقال: لئن كثرت التغييرات التي أحدثها طاش على مستوى التفاصيل فإن من أهمها على مستوى الإجمال - في وجهة نظري - إعادة الاعتبار إلى الفنّ بوصفه أداةً مهمةً من أدوات النقد والتطوير والتغيير؛ فلم يفلت أحدٌ من نقد هذا المسلسل في الدولة والمجتمع، وزاراتٍ، ومؤسساتٍ، وشركاتٍ، وهيئاتٍ، وتوجهاتٍ، وأفراداً.

لقد تعب طاقم المسلسل الذائع الصيت في الحفاظ على توازنهم والإخلاص لفنّهم طوال سبعة عشر عاماً، كانوا فيها مثار الجدل عاماً بعد عامٍ، وحلقةً بعد أخرى، وسفراء الكوميديا البيضاء والسوداء، وقد حققوا اختراقاتٍ مهمة في المجتمع السعودي خاصةً والعربي عامةً، من حيث جرأة النقد وشموله، وحجم السخرية الهادفة التي ينتهجون.

محبوه وشانئوه يتابعونه، وهذا نجاح إعلاميٌ وفنيٌ في حدّ ذاته، فعلى سبيل المثال انتقدته هيئة كبار العلماء مرةً؛ فازداد عدد مشاهديه، حتى صرّح أحد أعضاء الهيئة - الفقيه الفاضل يعقوب الباحسين - بأنه يتابع المسلسل، وذلك في برنامج «واجه الصحافة» الذي يقدّمه داود الشريان، يوم الجمعة قبل الماضي.

لقد ظهر المسلسل أحياناً وكأنه يخضع لتوجيه ما، وظهر حيناً وكأنه يقدم حلقة لمجرّد سدّ الفراغ، وأخرى لمجرد محاباة هنا أو هناك، ولكنني أحسب أنّ حجم معاناة طاقمه كبير للحفاظ على استقلاليتهم وحضورهم لدى المتلقّي.

إن إحدى أهمّ الرسائل التي يوصلها طاش هو أنّ بإمكان المبدع في مجتمعنا أن يُحدث تغييراً إيجابياً، وأن يدفع باتجاه التنمية والتطوير والارتقاء بالمجتمع، وذلك حين يحكّم أدواته ووسائله الموصلة لغاياته.

الإعلامي تيسير عبدالله قال في هذا الخصوص: قليلة هي الأعمال الدرامية الخليجية التي عاشت في ذاكرتنا، ولعل حضور المسلسل الكويتي (درب الزلق) والمسلسل الإماراتي (اشحفان القطو) والعمل الدرامي القطري (فايز التوش)، ولاحقا بعض الأعمال التي بقيت في الذاكرة، هي حالات استثنائية لم تتكرر خصوصاً لدينا في الخليج؛ حيث ندرة المواهب وقلة النصوص ومحدودية القضايا الحياتية المطروحة إلى جانب «ثقالة» دم نصف أعمالنا، خصوصاً التي يطلق عليها كوميدية، مع بالغ الأسف.

من هنا تبرز عبقرية العمل السعودي المميز طاش الذي يقوم على ثنائية غير عادية متمثلة في ناصر القصبي وعبدالله السدحان، اللذين طال معهما عمر هذا العمل طوال 17 سنة، وبتزايد وتنام وتطور مذهل يحق لنا أن نفاخر به في منطقتنا؛ حيث شح المواهب والنتائج والإنجازات مقارنة بالمصريين والسوريين في مجال الدراما وبشتى أشكالها.

هذا العام تتبنى قناة إلام بي سي طرح طاش رغم كل ما يحوفه ويحيط به من إشكاليات وأشواك، ورغم كل ما يثار حوله من شكوك من قبل شرائح لها ثقلها، خاصة ممن ينظرون للعمل نظرة خوف وريبة وتوجس وكأنه رجس من عمل الشيطان على الكل اجتنابه وهو في واقع الأمر مجرد عمل درامي يقدم بعد الإفطار له حس كوميدي ساخر يناقش القضايا والظواهر الاجتماعية ويرصدها بعين فنية بحتة، ولم يبق ولم يذر شيئا إلا التقطه في المجتمع، ولم يترك شيئا إلا وناقشه بعين فنية بحتة.

ويضيف تيسير: ناصر وعبدالله مديرا مشروع طاش ليسا مجرد ممثلين شاطرين ودمهما خفيف؛ فهناك الكثير «خفاف دم»، لكن لا يوجد لهما مثيل، وهناك حلقات كثيرة تطرح على شكل طاش أي بنظام الحلقات المنفصلة لكن عمر طاش أكبر وأكثر بسبب صاحبي المشروع اللذين يملكان وجهة نظر وعمقاً ورؤية فيها شمولية وشجاعة وانفتاح فني وإنساني واجتماعي كبير.

شخصيا كان لي سابق احتكاك بهذين النجمين، وأدرك تماما أنهما ليسا رجلي سياسة، ولم يدعيا أنهما مناضلان ثوريان، بل هما في الواقع مفكران كبيران يحملان هما إنسانيا وسعة أفق؛ لذا لم يأت نجاحهما من فراغ أو ضربة حظ، خصوصا هذا العام الذي دخلا فيه بطاشهما السابع عشر مناطق شائكة وعظيمة، فمن يجرؤ على نقاش حرية الأديان واحترامها غير طاش؟ ومن يجرؤ على النقد لكل النماذج بمختلف انتماءاتها مثل هذا الثنائي وبحس مهضوم يصل للكل مهما كانت ثقافته وانتماؤه الوطني، خصوصا أن الهم الإنساني واحد.

عمر طاش هذا العام تعدى مرحلة المراهقة بكل وعي، ولعل طرحه المشاكس قد حرك الركود وفتح آفاق الفكر والنقد ورفع من سقف الحريات؛ لذا علينا أن نتوقف كثيرا لدراسة ظاهرة عمل درامي لديه قدرة هائلة على التعدد والتمدد طوال هذا العمر وبكل هذه الخصوصية والاستمرارية. وأنا حسب متابعتي أرى أن جيلا كاملا قد تربى على طاش وتعود عليه، ولم ينحصر هذا الجيل في إطار وطن محدد بل في ظل انتشار ال»إم بي سي» الواسع النطاق انتشر معها طاش إلى أصقاع الأمة العربية ودول المهجر.

خفة الدم وتعميم التفكير واتباع أسلوب الورشة التأليفية والجرأة والوعي والشجاعة في التناول والذكاء في التعاطي للمواضيع بل والتحايل (المشروع فنيا) على كل من يترصد لطاش خلق لهذا العمل خلطة خاصة به لم يصل لها كل من يتعاطى مع الشأن الدرامي، بل إن أكثرهم قد سقط ومنهم من توقف وتحول بعضهم إلى مقدمي برامج ومطربين، بينما بقي مشروع طاش واستمر.

لدي رأي مقتنع به تماما، هو أن فكرة الأجزاء فاشلة وفاشلة وفاشلة، وكل مشروع يستجدي نجاحه من جزئه الأول يقع في مستنقع التكرار والفشل، والدلائل كثيرة، وما زلنا نعيشها، لكن فكرة طاش الدرامية لا يمكن تصنيفها ضمن دائرة الأجزاء؛ لأن التغيير في المواضيع والممثلين والكتاب والديكورات بل وحتى المخرجين يعطي «طاش» نفسا مختلفا كل عام، ولعل الرابطين الوحيدين هما الاسم وناصر مع عبدالله فقط، أما بقية العناصر فهي خاضعة للمتغيرات، وهذا يعطي العمل استمرارية إبهار ونجاح، مع إيماني الشديد بدور الثالوث الكبير، وهو المخرج عبدالخالق الغانم الذي تخرج من هذه المدرسة، وإن غاب عن فصولها في السنين المتأخرة إلا أن بصمته لا تزال واضحة ويجب أن تذكر بألف خير في مسيرة طاش الموسمية.

أما الناقد الفني الزميل يحيى مفرح زريقان فكان له رأي حول سبعة عشر عاما من عمر طاش فقال: ترك مسلسل طاش الرمضاني أثرا ملموسا في مسيرة العمل الدرامي السعودي عندما نجح في

إيجاد موقع يشار له في الشارع العربي للدراما السعودية، وهو الأمر الذي كنا ننتظره طويلا، وبات هذا العمل نافذة جميلة للتعرف على السعودية «البلد» من منظور اجتماعي وثقافي على وجه الخصوص، ومع مرور السنين نضجت تجربة فريق العمل في المضمار الدرامي فنيا فتحول من وجبة ترفيه وتسلية إلى معالجة قضايا الشارع السعودي وما يموج به من هموم وآلام وأحلام وتفاعلات وتغيرات وانعكاس ما يجري في الساحتين الإقليمية والعربية على مجريات الحياة في السعودية. من هنا بات طاش محل اهتمام المعنيين بالدراما ومتابعيها من فنانين ومنتجين وإعلاميين، ولو أردنا النظر بحيادية تامة لوجدنا العمل يدار بضمير فني واضح تستطيع الوصول له من خلال اعتبارات عدة، منها:

* إنشاء ورشة خاصة لكتابة النصوص.

* فتح المجال للجمهور للمشاركة بتقديم النصوص والأفكار الجديدة عبر مسابقة شكلت لهذا الغرض.

* منح الفرص لجميع الممثلين كبارا وصغارا للانضمام لطاقم المسلسل.

لذلك ارتبط طاش بمستوى تفكير الشارع السعودي منهجيا وتبناه للتعبير عنه، ونتج من ذلك تلك العلاقة الحميمة التي ساهمت في إحداث التغيير المطلوب في طريقة التفكير لدى السعوديين عندما أصبح لسان حال المجتمع.

وإن كان لا تزال مطالب النخبة من المثقفين في المجتمع تتطلع لقيام أسرة هذا المسلسل بتقديم أعمال درامية متكاملة ومعمقة ومكثفة تعبر عن الصورة المثلى لطريقة السعوديين في الحياة، بعيدا عن هذا النمط من الأعمال الذي يشبه الكبسولة؛ فمستوى فنهم أرفع كثيرا من تلك الافيهات والكركترات التي باتت مكررة وتصل لحد السأم أحياناً؟

مدير تحرير صحيفة إيلاف الزميل سلطان القحطاني قال بخصوص عمر طاش: طاش حرك المجتمع وغيره واستفزه, كان خليطا بين «النرفزة» والإثارة والمباشرة.

بدأ قبل أكثر من ست عشرة سنة كي يضحكنا، وفجأة اكتشف أن مهمته أكبر، فأصبح يحاول أن يغير مفاهيمنا. من الظلم أن نقول إن طاش استطاع أن يغيرنا، ومن الظلم أيضا أن نقول إنه فشل في مهمته، لكن ما يحسب له أنه حاول والمحاولة هي نصف النجاح.

ويضيف القحطاني: أغلب العاملين من أصدقائي الذين التقيتهم في مناسبات كثيرة، وكنت ألمس منهم في كل مرة رغبة في هز المجتمع وخلخلته وجعله أكثر حداثة, ربما نجحوا في أحايين كثيرة لكنهم فشلوا أيضا. لكن النجاح كان أقوى وألذ طعما من الفشل.

مشكلة طاش في الآونة الأخيرة أنه أصبح منشورا ليبراليا أكثر من كونه ناقل حدث محايدا، أصبح طرفاً في صراعاتنا والمفترض أن يكون مديرا للمسرح ينقل صورته بدقة وبحياد، وبمجانية استعدى نصف المجتمع وأكثره.

أتمنى من طاش ألا يحركه الغضب، وألا يحارب التطرف بتطرف مضاد. نريده أن ينقل صورتنا بصدق، وينقل النماذج المضيئة. أعرف أنه مسلسل ناقد، لكن لا بد من إظهار نصف الكأس الآخر، وإعطاء الآخرين فرصة للتعبير عن أنفسهم. أتمنى من طاش أن يعطي فرصة أكثر للمتدينين ونقل تجاربهم المضيئة أكثر من انتقادهم المستمر.

وأتمنى من طاش أن يترفع عن الحروب الصغيرة وأن نرى جميع فناني الوطن في كل حلقاته؛ لأن طاش أنشودة وطنية نفخر بها، وهي ملك لنا جميعاً.

أتمنى أن يضحك السعودية كلها، وألا تصبح مشاهدته تهمة.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد