أهلا ياعيد ! ها أنت ياصديق الطفولة العذبة تعود إلينا لتحتضننا بدفئك، تعيدنا إلى مرابع الصبا الريان، والأحلام الشهية كبلح الأرياف القصية؛ ها أنت تأبى إلا أن تذكرنا بإنسانيتنا، بنقائنا الأولي الذي التهمته رحى السنين المثخنة بالمآسي والجراح، لتنتشلنا من صقيع المدن الأسمنتية التي لاقلب لها ولا عواطف! أذكرك ياعيد، حين كنت تطل علينا من شرفات منازلنا في قرانا الجبلية لتزرع في وجداننا بذور الحب والأمل و»وشوشات» المطر الهتان الذي يندلق علينا من سماء مطرزة ب»أقواس قزح»، ليبعث النشوة، وأصوات المواويل الشجية الصاعدة من حناجر الصبايا الريفيات! أين أنت يارفيق الطفولة ممايجري اليوم لنا؟ أين أنت من حكايات الأمهات في ليالي العيد: الذي يختبيء في قمم الجبال، وبين سعف النخل؟ - « حذاري يا أطفالي أن تغضبوه فلا يأتي ! «، ونصدق الحكاية، ونستسلم لنوم هنيء، يعقبه صبح مشع بالطهر والفرح!
|
عيدك سعيد يا أماه! بعدك، لم يعد للعيد طعم «الفستق» الحلبي، ولا البلح «الصفري»، ولم يعد طروبا كأغاني الرعاة المنتشين في قريتنا. بات عيدا لاطعم له، ولا لون، ولا رائحة! لم يعد الناس هم الناس الذين تعرفينهم ؛ باتت أعيادنا مقصلة للفرح، ملوثة «بفحيح» النفاق المندلق من رسائل الجوال: « كل عام وأنت بخير «! أيّ خير يأتيني دون أن أراك أو أسمعك؟ عيدنا العربي ياصاح، أصبح مزيجا من قطرات الدم الطازج، وصراخ الثكالى، والقتل المجاني! لهفي على أطفالنا الذين لم يعرفوا لذة العيد الذي عرفناه ؛ عيد المحبة، والتزاور، والهدايا الصغيرة، والأطعمة اللذيذة، كأنما قدّر لهم ألا يعيشوا أعيادا كأعيادنا، لقد صادروا لحظات الفرح القليلة في حياتهم!
|
ها أنت ياعيد، تأبى إلا أن تنكأ جراحنا، وأحلامنا، وأمانينا العذاب التي ودعناها منذ زمن بعيد، لم يعد لك طعم الطفولة الفتان، ولا طعم العسل «الألمعي» الشهي! أتراك تغيرت ياعيد؟ أم نحن الذين غيرناك، وخلقنا منك يوما رماديا كتلك الأيام التي تقصف أعمارنا دون رحمة؟
|
أين من عينيّ تلك المساءات الحالمة التي كنا نتسابق للاحتفاء بها، ونسهرها، لنطرّز لمن تخفق له قلوبنا الصغيرة عبارات الوله والاشتياق، ونبعثها لمن نحب:
|
أيّ شيء في العيد أهدي إليك |
ياملاكي وكل شيء لديك |
أسوارا أم دملجا من نضار |
لاأحب القيود في معصميك |
أم ورودا والورد أجمله |
الذي نشقت من خديك |
أم عقيقا كمهجتي يتلظى |
والعقيق الثمين من شفتيك |
ليس عندي شيء أعز من الروح |
وروحي مرهونة في يديك |
سقى الله زمنا ولىّ ولن يعود، زمن الصفاء، والألفة، والأبواب المشرعة التي يدلفها الغادون والرائحون، لا زمن الأبواب الموصدة، والقناديل المطفأة، والنوم الجاثم فوق الصدور! ياقارئي:
|
« كل عيد وأنت في ألف خير |
وصباحات ودنا تتجلى |
أنت والعيد في حياتي عيد |
أيّ عيد على حياتي أطلا ّ !» |
- عيدكم مبارك يا أحبتي (وكل عام وأنتم ومن تحبون بألف ألف خير وعافية)
|
alassery@hotmail. com |
|