حاول الفريق الإخراجي لباب الحارة (الأخوين بسام ومؤمن الملا) ومعاونوهما ومؤلف العمل أن يبقى الفرنسيون على الهامش القريب من الخط الدرامي لتدور الأحداث داخل الحارات الشامية؛ لأن العودة إلى التاريخ الحديث لسوريا سيضع بسام الملا في تماس الخطر مع الواقع الجديد في الحياة السياسية الذي تشهده البلاد العربية.. فإن فرنسا مستعمر الأمس وتركيا التي تملك السيادة في ذلك الزمان على الشام والتطورات السياسية الداخلية من المقاومة والتجاذب مع القوات الفرنسية والتركية لاستقلال سوريا جعلت مجريات الدراما السياسية تغيب، وتظهر وفقاً للمصالحات السياسية خلال الأعوام الخمس من بداية تصوير باب الحارة.
رمزية القبعة الفرنسية الحمراء والزرقاء ورمزية الطربوش التركي الأحمر ورمزية الكوفية الشامية أصبحت تتبادل بين الخصومة والرؤية التاريخية وأمانة تسلسل الأحداث.. فالاحتجاجات الفرنسية الرسمية والثقافية على باب الحارة في عدم نبش وإشعال الأحقاد وتعرية الحقبة التي احتلت فيها فرنسا سوريا والمذابح والاضطهاد منذ هزيمة العثمانيين 1918م وتقسيم الشرق العربي تقسيم الدولة وشعوبها وجغرافية الأرض إلى رعايا تبعية فرنسا وبريطانياً، وكأن تلك الشعوب وأراضيها شرائح أناناس وقطع حلوى من الشوكولاتة؛ فكان نصيب فرنسا: لبنان وسوريا وأجزاء من فلسطين، ونصيب بريطانيا فلسطين والعراق؛ ليخلفوا بذلك الاستعمار البرتغالي والاسباني والهولندي من بداية القرن (15) م على المنطقة العربية، واستمر إلى نهاية القرن(17) م، وجثم الاستعمار الفرنسي والبريطاني رسمياً من أوائل القرن (19) م، في حين بقيت الدولة العثمانية تتجاذبها آراء ورؤية الوطنيين لها: هل هي دولة الخلافة أو أمبراطورية الهيمنة، يضاف إلى ذلك رغبة الاستقلال والسيادة عن أي تدخل..
كانت المواقف التركية في السنوات الأخيرة من الانجرار إلى المساءلة العربية والتصالح مع الامة العربية ومواقفها الحازمة من إسرائيل وبخاصة بعد أسطول الحرية وتنامي الحس الاسلامي المتعاطف مع القضية الفلسطينية جعل المخرج (الملا) يدخل التوازنات: الفرنسية والتركية والداخلية؛ لينهي أجزاء باب الحارة التي يمكن أن تطول أحداثها ليحكي تاريخ سوريا الحديث من بداية القرن (18) م زمن الأتراك ثم الاستعمار الفرنسي ويقف عند التاريخ المعاصر.
كانت الدراما العربية تتخفى خلف الطربوش التركي والقبعة الفرنسية والعمامة الإسلامية لطرح قضاياها وجعل تلك الرمزية مدخلا لإسقاطات معاصرة.. والآن سقطت الرمزية التاريخية لمعالجة أحداث الماضي بسبب تدخل الدول (الصديقة) التي تطلب من الشعوب العربية السكوت والالتزام بمبدأ (عفا الله عما سلف) فرنسا تضغط على الجزائر لوقف أفلام فترة الاستعمار، وبريطانيا تضغط على السينما الفلسطينية أن لا تتعرض لفترة الاستعمار البريطاني، وإيطاليا تضغط على ليبيا بنسيان الماضي الاستعماري وتركيا تطلب تصحيح سجل الدولة العثمانية باعتبارها أخطاء (ولاة) الأقاليم وليس سياسة الباب العالي.
والعرب وسط دفن ووئد الماضي والسكوت عنه من قبل دول الاستعمار وبين مسؤولية استرجاع التاريخ لاستخلاص العبر وتحفيز المجتمع العربي على بناء نفسه وتذكيره بتضحيات وكرامة أبنائه؛ ففي وسط هذا الضجيج تستجيب الدراما العربية إلى ضغوط (الدول الصديقة) على حساب كشف الحقائق ومحاكمة الأمس.