أحبتي في الله هاهي أيام العشر الأخيرة من رمضان منة من الرحيم الرحمن فأين نحن منها ومن هدي حبيبنا وقائدنا إلى الجنة والذي كان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها) (رواه مسلم).
وفي الصحيح عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله).
وفي المسند عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمر وشد المئزر) فحري بنا والحال هذه أن نحرص كل الحرص على اغتنام هذه الأيام المباركة، وهذه الليالي الفاضلة، وألا نفرط فيها, بل يجدر بنا أن نكثر فيها من قراءة القرآن لأنه شهر القرآن, ونطيل القيام, ونتضرع بين يدي الكريم الرحمن؛ فندعوه ونتحرى أوقات إجابة الدعوات وبخاصة في الثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ينزل ربنا - تبارك وتعالى - كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) والليل هو محراب العابدين، ومثوى الساجدين، وروضة المخبتين الذين يناجون ربهم - تبارك وتعالى - بكلامه، ويسألون عطاءه، ويُعَفِّرون جباههم بذُل التوبة وعِزّ العبودية لله رب العالمين، ويَحْنون رؤوسهم لجبار السماوات والأرض، وملك الملوك، دموعهم منهمرة، وأيديهم ضارعة، وقلوبهم واجفة، ونفوسهم مولعة، يرجون الله ويخافونه؛ كما يجدر بالمسلم أن يستثمر هذه العشر بما يعود عليه بالنفع والفائدة، فليس كل من أدرك رمضان موفق للطاعة، وليس كل من أدرك العشر الأواخر موفق لاستغلالها واستثمارها فهي فرصةُ الْعمر وغنيمةُ لمن وفَّقه الله عز وجل، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أنْ يفوت هذه الفرصةَ الثمينةَ على نفسه وأهله فما هي إلا ليال معدودة ربما يدرك الإِنسان فيها نفحةً من نفحات المولَى فتكون سعادة له في الدنيا والآخرة. وإنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة أن ترى كثيرا من المسلمين يمضون جل هذه الأوقات الثمينة فيما لا ينفعهم، ينامون بالنهار ويسهرون معظم الليل في اللَّهو المنهي عنه، فإذا جاء وقت القيام ومناجاة الله الواحد الديان بالأسحار نامُوا عن ذلك وفوتوا على أنفسهم خيرا كثيرا لعلهم لا يدركونه بعد عامهم هذَا، وهذا من تلاعب وتدليس الشيطانِ ومكره بهم وصده إياهم عن سبيلِ الله وإغْوائه لهم، والعاقل لا يتخذُ الشيطانَ وليا من دون الله مع علمه بعداوته له فإن ذلك مناف للعقل والإيمان. قَالَ الله تعالى: ?أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً? (الكهف: 50)، وقال تعالى: ?إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ? (فاطر: 6) فالله الله بالاجتهاد في هذه الأيام والليالي المباركة بالصلاة والذكر وقراءة القرآن وسائر القربات والطاعات وإيقاظ الأهل وحثهم على الصلاة والقيام مع الإمام حتى ينصرف ليحصل بذلك له قيام ليلة، حيث يقول نبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: (من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) كما علينا تحري ليلة القدر في هذه العشر المباركة، حيث يقول تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر) وقال صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) (متفق عليه).
أحبتي في الله تذكروا الأجر واحتسبوه على الله فها هي منحة جديدة وفرصة قد تكون وحيدة ونعمة قد تزول والكيّس من اغتنم الفرص وفاز قبل الندم، اللهم وفقنا لاتباع الهدى وجنبنا أسباب الضلال والشقاء واجعل شهرنا هذا شاهدا لنا لا علينا واجعلنا فيه من المقبولين.
الرياض
Homod7@hotmail.com