Al Jazirah NewsPaper Thursday  02/09/2010 G Issue 13853
الخميس 23 رمضان 1431   العدد  13853
 
يوميات خير الصائمين
الشيخ / علي بن جدة منقري

 

الحمد الله الذي لا مانع لما وهب ولا معطي لما سلب, طاعته للعاملين أفضل مكتسب وتقوه للمتقين أعلى نسب هيأ قلوب أوليائه للإيمان وكتب وسهل لهم في جانب طاعته كل نصب فلم يجدوا في سبيل خدمته أدنى تعب أحمده على ما منحنا من فضله ووهب والصلاة السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ونسبا وحسبا وعلى بقية أصحابه الذين اكتسبوا في الدين أعلى فخر مكتسب وعلى التابعين لهم بإحسان ما أشرق النجم وغرب وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

حال النبي صلى الله عليه وسلم -وهو خير الصائمين- في رمضان وفي غير رمضان حاله مع أمته أنه كان يعلمهم الكتاب ويزكيهم وكان يعلمهم الحكمة قال عنه الله تبارك وتعالى واصفا ?هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ?، وكما قال عنه ربه تبارك وتعالى واصفا إياه {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.

فقد كان عليه الصلاة والسلام كان مع صحابته ومع أمته كان يعلمهم يعلم جاهلهم ويرشد غافلهم وكان عليه الصلاة والسلام يتدفق رحمه وجودا ورفقا ورأفة لأمته كيف «لا» وقد وصفه ربه فقال {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}.

والمتأمل في سيرة خير الصائمين يرى بجلاء أنه قد تقلب مع صحابته الكرام رضي الله عنهم في هذا الشهر المبارك بين أحوال عدة وصور رائعة من الرعاية و التزكية والتي تمتلئ بالحنان والرحمة وتجود بالرفق و الرأفة والحرص على السعادة والاستقرار في هذه الحياة الدنيا و الظفر بالنجاة حين ملاقاة الله تعالى والوقوف بين يديه سبحانه في لآخره.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابة والتعليم مهمة الأنبياء و أتباعهم من المصلحين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ولكن بعثني معلما وميسرا) فالتعليم مهمة شريفة عالية الرتبة بها يرتفع شأن صاحبها ويعظم أجرة ويزيد بره ويعم خيره، ويبقى ذكره وقد طبقها النبي صلى الله عليه وسلم غاية التطبيق وأكمله قولا وفعلا حتى شهد له أصحابة الكرام بذلك فعن معاوية ابن الحكم رضي الله عنه واصفا تعليمة صلى الله عليه وسلم له فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني «وتعليمه صلى الله عليه وسلم لا أصحابه شامل لجميع العام وخاصة في رمضان.

فعن سمره بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور ولا هذا البياض حتى يستطير).

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائمون».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة، وفي صحيح البخاري من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه»

وكذلك كان خير الصائمين صلى الله عليه وسلم يرشد أصحابه ويعظهم حيث وجه أصحابة الكرام رضي الله عنهم ووعظهم في عدة مناسبات اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان فاتخذ له فيه بيت من سعف قال فأخرج رأسه ذات يوم فقال إن المصلي يناجي ربه عز وجل فلينظر أحدكم بما يناجي ربه لا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة».

ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير الصائمين هو المعلم وهو المفتي وكان عليه الصلاة والسلام يجيب على أسئلة أصحابه رضي الله عنهم ولم يعاتب من أذب ذنبا أو من أخطأ في رمضان.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رجلاً وقع على امرأته في رمضان فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال : هل تجد رقبةً تعتقها ؟ قال: لا، قال وهل تستطيع صيام شهرين قال : لا قال فأطعم ستين مسكينا».

وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلمفي المسجد في رمضان فقال يارسول الله احترقت احترقت ! فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأنه، فقال أصبت أهلي، قال تصدق فقال والله يانبي الله مالي شيء وما أقدر عليه قال أجلس فجلس فبينما هو على ذلك أقبل رجل يسوق حمارا وعليه طعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين المحترق؟ آنفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بهذا فقال يا رسول الله أغيرنا فو الله إنا لجياع لا نجد شيء نأكله».

وقد كان المستفتون يأتون إليه عليه الصلاة والسلام فيسألونه ويحاورونه وهم مطمئنون واثقون بأنهم نازلون على معلم كريم رحيم لا يتضجر من سؤالهم بل إنه صلى الله عليه وسلم ليداعب بعضهم ويسلي عنهم كما ترى في قصة عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ}، قال أخذت عقال أبيض وعقال أسود فوضعتهما تحت وسادتي فنظرت فلم أتبين فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: إن وسادك إذاً لعريض طويل، إنما هو الليل والنهار ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء فدل أن الجهل بالحكم رافع لوجوب القضاء.

وإذ سرحت الطرف في تحفيزه عليه الصلاة والسلام لأصحابه للمبادرة في العمل الصالح رأيت حدائق ذات بهجة، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يحفز أصحابة ويحثهم على المبادرة بالعمل الصالح ويبين لهم ثواب ذلك وعن أبي هريرة رضي الله عنه في الحث على الصيام وفية والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها وفي لفظ كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبع مائة ضعف قال الله عز وجل إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك».

وعن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لي الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال».

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الصيام جُنة وحصناً حصين من النار».

وعن أبي سعيد ألخدري قال: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا»

اللهم أعطِ كل سائل لك من الخير مراده وأنل من الحسنى وزيادة وامحُ سيئاتنا ورفع درجاتنا وثقل ميزان حسناتنا فأنت أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وأغفر اللهم لوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد