لاشك بأن المدرسة الرمضانية الروحانية تدعونا للتأمل قليلاً في مجموعة من الخواطر»التربوية»، والتي تظهر جلية في مثل هذه المناسبات الدينية العظيمة، التي تمتلئ بالقيم السامية والسلوك الإنساني الفريد الذي شرعه الله للبشرية في ديننا الإسلامي الحنيف، ولعلنا ننطلق من كلمة «التربية» كعلم ونشأة هذا العلم الإنساني لنصل للمقصود بإذن الله، (إنّ التربية قديمة قدم الإنسان نفسه) عبارة طالما سمعناها وردّدناها. ومع إيماننا العميق بعراقة التربية وتاريخها الممتد في أعماق الجذور الإنسانية، إلاّ أنّ التربية (كعلم) تُعَد من أحدث العلوم الإنسانية تاريخاً عقب النهضة الأوربية، إنّ حداثة علم التربية جعلت من الصعب تمييز نطاقه، ورسم حدوده، وتوضيح أطره؛ وبشكل عام فإنّ التربية في مجملها تهدف إلى صياغة الشخصية الإنسانية «سلوكاً، ومنهجاً، وفكراً، وقواماً».
ولعل هدف التربية النهائي هو الهدف من كل الشرائع والأديان، يقول تعالى: ?قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ?، ولهذا فإنّ التربية الحديثة هي أحد المدخلات التي نستفيد منها في تقويم سلوكنا وفق شريعتنا فالأصل هو بناء الإنسان القويم.
إنّ اغتنام المناسبات الإسلامية التعبدية في بناء الشخصية الإنسانية مطلب تربوي إسلامي، فنحن نتعلم من رمضان الصبر، والتعاون، والتضحية، والإخلاص، ونختم هذا الشهر بمناسبة العيد حيث التسامح والتلاحم وصلة الرحم والبر والوفاء، وغير ذلك من القيم النبيلة التي يمكن تحقيقها في شهر الصبر والرحمة شهر رمضان. هذا الشهر المبارك الذي يُعدّ مدرسة متواصلة ومستمرة لتربية الأجيال وتهذيبهم، تصقل في كل سنة نفوس الناس، وتزوّدهم بشحنات إيمانية، تلهمهم معاني الدين الحنيف، وتثبت في نفسهم صفات المسلم الحق وطالما بقي هذا الشهر مدرسة للمسلمين في كل مكان وزمان، وجب على المربين توظيف هذه القيم السامية التي يجسّدها هذا الشهر في صيامه وقيامه وفي دخوله وخروجه، وفي النمط الحياتي التعبدي الإيماني الذي يصطبغ به الشهر، كل هذه يتم توظيفها في بناء الشخصية الإنسانية الإسلامية المكتملة.
ولعلنا نختم هذه الخطرات بتساؤلات منها:
هل إعلامنا المتنوّع الكثيف يراعي في هذا الشهر الكريم معني ومقاصد التربية الإسلامية السليمة وهدفها السامي النبيل؟
وهل وجود هذا الشهر في العطلة المدرسية لا يمنح المدرسة حق التواصل مع الطلاب وتجسيد القيم الإسلامية النبيلة من خلال برامج وأنشطة إثرائية صيفية..؟
وهل النمط الحياتي الذي يسود لدى العديد من الأسر في شهر رمضان من خلال إحياء الليل وإعاقة النهار يجسّد قيمة الصبر والتضحية والجلد؟.
وأخير هل أصبح رمضان شهر التنويع في الأكل والتفنن في إنتاج وعرض الأفلام والمسرحيات الهزلية؟.
إنها تساؤلات تحتاج إلى أجوبة نستطيع من خلالها وضع الحلول المناسبة التي نقيس على ضوئها مدى استفادتنا من هذا الشهر العظيم، ومدى حاجتنا لتقويم عدد من الأوضاع التظيمية لمجتمعنا الحبيب.
* مدير عام مدارس الرياض