تقول أرقام مصلحة الإحصاءات العامة إنّ السعوديين والسعوديات العاطلين عن العمل 437 ألفاً تقريبًا، منهم 239 من الذكور، بينما تقول وزارة العمل إنّ السعوديين العاطلين عن العمل 147 ألف عاطل تقريبًا، وتقول إدارة الدفاع المدني التي أعلنت عن 700 وظيفة برتبة جندي، بأنّ المتقدمين بلغ عددهم 113 ألف شاب، أبغى أفهم؟ هل كل العاطلين تقريبًا تقدّموا إلى هذه الوظيفة، أي وظيفة الجندي؟ أو ما يقارب نسبة 77% من العاطلين ركضوا بملفاتهم الخضراء إلى إدارة الدفاع المدني، طبعًا بعد استبعاد العاطلات عن العمل، إلاّ إذا كانوا قد سمحوا للنساء بالعمل كجنديات في الدفاع المدني! (أي جنديات وهم أصابتهم هستيريا من عملهن كاشيرات؟!).
المهم، الأمر الذي يثير الشك، هو أرقام مصلحة الإحصاءات العامة ووزارة العمل، فهذا العدد المهول من المتقدمين على جهة حكومية عسكرية واحدة يكشف الحال، ونسب توظيف العاطلين والعاطلات عن العمل، لا يشكّل شيئًا يذكر قياسًا بما يفيض سنويًا من خريجي الثانوية العامة، وخريجي كليات التقنية، والمتسرّبين من الجامعات، بل وحتى من خريجي الجامعات الذين يشكّلون 44% من العاطلين عن العمل.
السؤال المهم، والذي يجب أن تتحرك على إثر الإجابة عليه، المستويات القيادية العليا، هو كم بلغ معدل البطالة حسب التعداد السكاني الأخير؟ هل ستقدم مصلحة الإحصاءات العامة على كشف هذا الرقم؟ وهل سنصاب بالصدمة والمفاجأة مثلما أصيبت إدارة الدفاع المدني وهي ترى جيشًا أخضر من الملفات؟ أكاد أجزم بذلك.
فما حدث من صدمة حول مائة وثلاثة عشر ألف عاطل وقفوا يتقاتلون حول سبعمائة وظيفة، هو مظاهرة علنية بلا تجمهر، وبلا صوت، وبلا لافتات، يقوم بها هؤلاء العاطلون، وهم يخبروننا بأنّ الأمر أصبح خطيرًا، وأنه لا يُحتمل، ولابد من حلول عاجلة جدًا، فهل تتمثل في التخلّص من بعض العمالة الأجنبية التي تأكل الأخضر واليابس على أبناء الوطن، وإحلال الكوادر الوطنية مكانها؟ أم في تغيير سياسات التوظيف في القطاع الخاص وإلزامه بقوانين صارمة؟ أم في إعادة النظر في سنّ التقاعد لموظفي وموظفات الحكومة، من أجل إحلال غيرهم من الشباب والشابات العاطلين والعاطلات عن العمل؟ أم في كل هذه المؤثرات جميعًا؟
إنني أتخيّل أحد أولياء أمر هؤلاء، وكيف حارب ورمى وجهه أمام من يعرف ومن لا يعرف، كي يجد لابنه مقعدًا في أحد أقسام كلية التقنية قبل سنتين ونصف، بعد أن أقفلت الجامعات أبوابها في وجهه، فاحتفل به حين أصبح طالبًا حتى ولو في كلية التقنية، لكن فرحته لم تكتمل وقد رأى ابنه يحمل ملفه الأخضر للمرة الألف، متّجهًا هذه المرة صوب إدارة الدفاع المدني كي يجرّب حظّه العاثر بين 113 ألف عاطل مثله!
يومًا ما، سيخرج أضعاف هؤلاء العاطلين إلى الشوارع، يمثلون جيشًا مملوءًا بالمرارة والحقد والغضب، على وطن لم يكفل لهم العيش الكريم، سيخرجون كارهين للحياة، محاصرين بالفقر وقلّة الحيلة، يتحوّل بعضهم إلى مجرمين ولصوص وقتلة، فهل نتحرّك قبل ذلك؟ لا نريد خططًا لأنّ الأمر فاض، وتجاوز بيروقراطية اللجان والخطط والدراسات، لا بد من حل عاجل وحاسم، مع التخطيط لأجيال في العاشرة من العمر، تتهيأ مبكرًا لمزيد من البطالة المستقبلية!