* وظائف القلب الدقيقة، وما تحويه من أسرار، وما تنطوي عليه من معجزات هي دائما وأبداً مثار تأمل، ومجال تدبّر، وموطن تفكّر عند العلماء بشكل عام، وعند الأدباء بشكل خاص. إنها المضغة الصغيرة، البسيطة في شكلها، العظيمة في أثرها.
|
لنتأمل، كيف لجأ إليها الإنسان في مناجاته، وأوغل في ذلك. هو مجال رحب في حقيقته، استوعب الشموس، والآفاق، والوديان، والغابات، وهو ميزان دقيق للأعمال، فضلاً عن كونه مركز السعادة للإنسان حينا، والشقاء الأبدي حيناً آخر، وكثيرا ما تقاطعت وظائفه مع وظائف العقل، واشتد الجدل بين العلماء والفلاسفة في ذلك.
|
في أبيات مقتضبة (لأبي القاسم الشابي) عن (القلب)، تستبطن نجوى، ونداء، ونظرة، وكآبة، وشكوى، وغناء، ودموع، هو معجزة محيّرة، الهمته هذا القول، وهذا الشعور:
|
يا قلب إ كم فيك من كونٍ قد اتقدت |
فيه الشموس وعاشت فوقه الأمم |
يا قلب إ كم فيك من أفقٍ تنمّقهُ |
كواكبٌ تتجلّى ثمّ تنعدمُ |
ياقلبُ إ كم فيك من قبرٍ قد انطفأت |
فيه الحياة، وضجّت تحته الأمم |
يا قلب إ إنك كونٌ مدهشٌ عجبُ |
إن يسأل الناس عن آفاقه يجموا |
* وإذا كان هناك شبه إجماع من العلماء أن (القلب) مركز العواطف، والانفعالات، والأحاسيس، فإن العقل هو الذي يقود القلب ويهديه، إما إلى سبيل الخير، أو منافذ الشر، إما إلى الهداية، أو الغواية. من أجل ذلك لفت انتباهي بعد ذلك التطواف الرومانسي عن القلب، كما شخصه (الشابي)، أن أخطر ما يهدد هذه المضغة، ويؤدي إلى تلف وظائفها، ويطفئ وهج إشعاعها انحراف العقل البشري، حينما تعبث به (أم الخبائث)، إنها (الخمر) التي أفقدت متعاطيها استشعار الجمال الذي استشعره (الشابي)، وأفقدته كذلك ما هو أهم، ألا وهي (صحة الإنسان)، وذلك ماسنحاول الإماءة إليها باقتضاب. فالكحول والإدمان عليها تصيب (قلب) الإنسان، كما تشير الدراسات الطبية، ومراكز العلاج النفسي إلى دوار دائم، وتوتر مستمر، ورجفة وتعرّق، ونوبات عصبية شديدة تبدو أعراضها جلية في سلوك الشخص أمام مجالسيه، حتى ليبدو من حيث لا يشعر أقل سيطرة على نفسه وتصرفاته، وأقل إدراكا لنتائج سلوكه وأعماله، أو لنقل استشعاراً لجمال الوجود من حوله، وإن أوهم، أو استوهم خلاف ذلك، وعلى إثر ذلك تحوّلت حياة كثير من الناس من ذوي الأخلاق الحميدة، والثقافة العالية، وأصحاب الإرادة إلى حطام من الضياع.
|
* لقد نتج عن هذه المادة وتعاطيها مشاكل صحية لا حصر لها، يتمثل بعضها في أمراض القلب المتنوعة، وقرحة المعدة، والتهاب الرئة، وسرطان القناة الهضمية، وضمور في أنسجة عضلات القلب، وكلها مؤثرات بلا شك خطيرة على الدورة الدموية للجسم. ولو قدّر لباحث أن يحلل من خلال مراكز أبحاث الجريمة أثرها ونسبتها في أنواع الجرائم التي تقع، لأدرك المجتمع خطورة هذه المادة، وأسهم بكل ما يملك في سبيل التوعية والوقاية من الوقوع فيها.
|
|