كان بعض من الناس يشعرون بالشك من أن الإغاثة لبعض الدول لا تصل، وإن تجاوزت الحدود ووصلت إلى هذه البلدان فهي لا تصل إلى المستحقين فعلاً، وإن وصلت فهي قد تصل بثمن، وليس كصدقة كما خُطط لها، ولكن الشك يبقى مجرّد تخمين وظن، حيث إن بعض الظن إثم، ولكن حينما نشرت الصحف ما قامت به أمانة منطقة المدينة المنورة من ضبط كميات كبيرة من المواد الغذائية المقدّمة كهدية من مملكة الإنسانية لإغاثة الشعب اللبناني عام 2006، وذلك داخل مستودعات تجارية، بهدف تفريغها من علبها وإعادة عرضها بعلب لا تحمل عبارة: مملكة الإنسانية: معك يا لبنان! فإن هذا الشك أصبح أمرًا واقعًا، وها هي 3 آلاف مادة غذائية معلّبة داخل 75 حاوية، تذهب إلى مستودع سرّي في المدينة المنورة بدلاً من بيروت!
لماذا يشكّ المواطن؟ ولماذا وصل به الأمر إلى مرحلة اللا مبالاة تجاه ما يحدث؟.. بل أصبح غير معني بما يحيط به، وبدأ يتجاوز كل ذلك ويتغلّب عليه بالسخرية والتندّر؟ ربما مما يحدث أحيانًا من مساعدات داخلية، تتأخر طويلاً في الوصول إلى مستحقيها، وقد لا تصل بكمياتها كما هو مقرر لها، هذا إذا وصلت فعلاً! فهل يعقل أن ينتهي وضع حالة إنسانية ما عند إصدار الأوامر بمساعدتها؟ أم أن التنفيذ يتطلّب المتابعة، وإيصال المساعدة إلى مستحقيها، والتأكد من تسليمها واستلامها؟
الغريب أن هذه الأخبار والتقارير الصحفية التي تنشرها صحفنا اليومية، تموت بمجرّد أن ينشر الخبر ويعلّق عليه بعض الكُتّاب أو القرّاء، دون أن يعرف أحد ماذا تمَّ بشأن هذه القضية، ولا نتائج التحقيقات الأولية، بل حتى قرار إمارة منطقة المدينة المنورة الفوري بإغلاق المستودع الذي ضُبطت فيها الكميات، لم يتم تنفيذه حتى بعد مرور ثلاثة أيام من نشر الخبر، فما الذي يحدث بربكم؟!
هل لو كان هناك نظام حازم وقانون عقوبات واضح ومحدد لمثل هذه الحالات المستهترة وغيرها من قضايا الاعتداء على المال العام، هل كانت ستظهر؟ وهل الحالات تتشابه مثلاً كي تتشابه عقوباتها؟ هل يمكن تغريم هذه المؤسسة التجارية فحسب؟ أم لا بد من قفل نشاطها وإلغاء سجلها التجاري ومعاقبة صاحبها بحزم؟ ولماذا لا يتم التشهير باسمها؟ فحتى الآن ورغم حريات الصحافة إلا أنه يتم الاكتفاء بمسمى مؤسسة تجارية، أو ما شابه ذلك.
لا أعرف ما يحدث، لكنني أشعر أن ثمّة قلقاً يحيط بي، وأن وراء الأكمة ما وراءها، وأكاد أسمع صوت صاحب المؤسسة التجارية صاحبة الكميات المخزّنة من الهبات والهدايا، والذي ينوي إعادة تغليف وتعليب المواد الغذائية المجّانية، كي يبيعها خلال هذا الشهر، شهر الخير والبركة، وهو يرفع قدميه فوق مكتبه ويردد بصوت عالٍ: بحبك يا لبنان يا وطني بحبك، بشمالك بجنوبك «بنهبك» بحبك!