اتصال تلقيته من مصر قبل أيام بخصوص إقامة معرض للفنانين المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية. وتلقيت فيما بعد «ايميل» يشير إلى ذلك وبعض التفاصيل من الولايات المتحدة الأمريكية. والطلب يمتد إلى فتح المشروع والدعوة على مستوى الفنانين في دول مجلس التعاون الخليجي ضمن فناني العالم الإسلامي. والواقع هي فكرة حميدة وجيدة ومطلوبة أيضاً، وكما علمت أيضاً أن هناك جهات راعية ومساندة، والواقع أنني لم أستطع الوصول إلى وضوح تام بالنسبة للفكرة، لكني وكما علمت أن هناك جهات تقوم على هذا المشروع. هذه الأفكار والجهود الفردية والطموحات تسعى لإبراز جانب غائب يقدم الفن التشكيلي في العالم الإسلامي، في ظل غياب جميع الفنانين او لنقل أعمالهم خارج المنطقة العربية فليس هناك إلا فنانون وأسماء تفرقهم الظروف ويتوزعون بين دول العالم. وواقعاً أن مثل هذه المشاريع الكبيرة تحتاج إلى تمويل كبير، فهو ليس مكاناً لعرض لوحات او أعمال فنية بقدر الحاجة إلى طواقم والى دعم مالي كبير والى جهود فنية وتقنية كبيرة.
أستعيد مع ذلك عمل مماثل تبناه المتحف الملكي الأردني وأقام (معرض الفن التشكيلي من العالم الإسلامي) في مركز البربيكان في العاصمة البريطانية، وكان لي شرف المشاركة في هذا المعرض الثمانيني، وتم طباعة دليل متكامل أقرب إلى كتاب يقدم المشاركين ونبذاً عنهم، بجانب استضافات كبيرة أيضاً، ومشروع كهذا تكفلت جهات عدة بتحقيقه على أرض الواقع.
وطموحاتنا دائماً كبيرة، وكثيراً ما يغيب عنا حجم الفعل والمناسبة التي نطمح تحقيقها لأن أرض الواقع غير التصورات النظرية، فهناك جانب عملي سيواجهنا ومعه نكون غالباً أمام خيارين: أما المواصلة وفق الإمكانات المتاحة وسيكون الأمر أقل مما نتصور، او الإلغاء للفكرة ولكن متى؟ أعني بعد أن نكون قد بدأناها؟
الأنشطة الفنية الكبيرة إذا لم تصاحبها إمكانات كبيرة فلا أعتقد بجدواها، وكم هي الأفكار التي تموت في مهدها او بعد أن نقطع شوطاً نلمس فيه الإشكالية؛ لأنه لا تتوفر لها الإمكانات. والفن في العالم الإسلامي يقدم الآن على أشكال متعددة أولها اعتماد الحكومات بتقديم هذه الفنون وغالباً تكون(التقليدية) في متاحف او قاعات كبرى تكون هذه الدول بوزاراتها الإعلامية او الثقافية تقوم على المشروع. ولعلنا غالباً ما نجد التحف من المصنوعات اليدوية والحرفية وما يبلغ او يتجاوز عمره مئات الأعوام، على أن الفنون الحديثة ليست بذلك القدر من الاهتمام إذا أردنا لها عرضاً لائقاً كما يقدم الأوروبيون أنفسهم أو فنانينهم.
سنجد على سبيل المثال العروض الأوروبية خلال الأعوام الأخيرة في دول كالإمارات العربية المتحد او مصر او غيرها، وهو تقديم يرتقي بالفعل الإبداعي ويمنحه قيمته الحقيقية بالمكان والمطبوعة، وما يحيط بالمناسبة من برامج وحضور وغير ذلك.
الفن من العالم الإسلامي الآن يأخذ نصيباً متفاوتاً من خلال عروض مناسبات فنية في دبي أو أبوظبي او بعض المزادات مثل كريستي. وسنجد التركيز خلال الأعوام الأخيرة على المنتوج الفني الإيراني الذي تمتلئ به قاعات عرض في إمارة دبي على سبيل المثال لكننا لا نجد من منتوج الفنانين في دول الخليج الأخرى الا القليل جداً، فمثلاً من العراق على عدد ونوع مبدعيه الاهتمام محدود كثيراً، وبالمثل من المملكة العربية السعودية، ولولا الحضور الأخير في ارت دبي لما وجدنا لفنانينا أي تواجد خارجي مؤثر او بارز. وكما تتناقل بعض الوسائل او الأفراد أن هناك توجهاً إلى الفن في المملكة العربية السعودية؛ إلا أن هذا التوجه لم يزل حبيس الأفكار كما يظهر، فلم نر سوى شذرات بسيطة وإشارات غير كافية مع وجود مهتمين. كما أعلم بالفن من السعوديين وربما عدد منهم يقيم في الخارج ويقتني أعمالاً لفنانين من غير السعوديين.
سمعنا مؤخراً عن مزاد كرستي وفيه عرض أعمال او مقتنيات للمهندس محمد سعيد فارسي وهو أمين سابق لأمانة جدة (محب للفن واحد داعميه)، ووضع أسساً للاهتمام بالنحت خاصة على مستوى ميادين مدينة جدة. هذه المقتنيات المصرية لأسماء شهيرة تمنيت أن يقابلها مقتنيات لفنانين سعوديين لهم مكانتهم الفنية المحلية وحتى العربية، أستعيد أسماء بعضهم كمحمد السليم وصفية بن زقر وعبدالحليم رضوي وربما آخرون ممن نعرف أهميتهم التاريخية في الحركة التشكيلية المحلية.
أعود -الى حيث بدأت- أن تنظيم معارض لفنانين مسلمين في الخارج او التعريف بإبداعاتهم ولتصحيح بعض المغلوط عن أن بلداننا هي فقط صحاري ونفط، هو إسهام وإضافة معلومة عن أن الإبداع العربي الإسلامي لا يقل عن غيره وأن الفنان المسلم قدم للبشرية فناً إبداعياً، لكن الذي يغيب أحياناً عنا أنه لا يمكن تقديم هذا الفن بدرجة مؤثرة إلا بدعم كبير وقوي من أصحاب النفوذ المالي ومن الحكومات وهنا سيكون سر نجاح او إخفاق أي مشروع.
***
solimanart@gmail.com