من الصفات الإيمانية التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن تلقى أخاك بوجه طلق) وأنني وأيم الحق ما لقيت التربوي الأديب الدكتور علي بن عبد العزيز العبد القادر إلا وخطر ببالي ذلك التوجيه النبوي الكريم لما يتمتع به الدكتور من دماثة خلق وحسن استقبال وبشاشة لدرجة أن من يقابله يظن أنه لا يحمل شيئاً من هموم الدنيا، إلا أنه جاد في وقت الجد مرح في وقت المرح، لا يمل جليسه مجلسه لأنه لا يتوقع منه إلا كل ما يسره، هذا إلى جانب أدبه الجم سلوكاً وممارسة، إلى جانب ما يتميز به من أناقة في الهندام والنطق فهو كاتب من أعمدة جريدة اليوم ومؤلف له العديد من المؤلفات ذات القيمة العلمية الفائقة
صدر له كتاب ضخم في حجمه وفي موضوعه إلى جانب السبق الذي حازه الدكتور بتأليف هذا الكتاب (المرأة.. الإرادة والتحدي) وهو كتاب تحدث فيه عن إمكانات المرأة في بلادنا العزيزة مع استعراض لسير عدد من السيدات الفضليات ممن ساهمن في مسيرة الفكر والاقتصاد والدراسات الاجتماعية والأدبية إلى جانب ما يمثلنه من قوة فاعلة في شتى مجالات الحياة بحثاً عن مستقبل مشرق مليء بالأمل وقبل أن نتوغل في مسارات ذلك الطرح المتميز يحسن أن يلم القارئ بشيء من سيرة هذا العالم الأديب المتمكن.
فالدكتور علي بن عبد العزيز بن صالح العبد القادر المولود بالأحساء بتاريخ 1-7-1355هـ حسب ما هو مثبت في السجل المدني يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية إلى جانب لغته الأم (العربية) وهذا ما فتح أمامه مجالات البحث والاطلاع والدراسات المحكمة ويحدثنا عن رحلته في طلب العلم مفصلاً بتاريخها كالتالي:
فبعد أن حصل على دورة تربوية صيفية سنة 1375هـ عندما كان يعمل بالتدريس ومواصلة الدراسة في معهد المعلمين المسائي.
وقد واصل طلب العلم إلى جانب وظيفته في التدريس متدرجاً من معلم بالمدرسة الابتدائية حتى وصل إلى وظيفة نائب شؤون الطلاب بجامعة الملك فيصل ثم عميداً بنفس الجامعة مواصلاً ذلك الطموح المتجدد والرغبة في طلب العلم حتى حصل على درجة الماجستير في علوم التربية عام 1974م ثم الدكتوراه من جامعة كنساس لورنس أمريكا، وكان عنوان الرسالة ( دور التعليم العالي في تنمية الموارد البشرية ) موضحاً ركائز النهضة العلمية والثقافية والاجتماعية والتنمية الشاملة بالمملكة العربية السعودية ومن نتائج ذلك الحرص المفعم بالوطنية ألحقه صدور كتاب (المرأة.. الإرادة والتحدي) نموذج المرأة في المملكة العربية السعودية طبع عام 1424هـ - 2003م في مجلدين من جزأين وخمسة أبواب في 751 صفحة من القطع المتوسط وأبواب الكتاب هي:
الباب الأول: النهضة التعليمية للمرأة في المملكة العربية السعودية
الباب الثاني: النهضة الثقافية للمرأة في المملكة العربية السعودية
الباب الثالث: النهضة النسائية وتطور عمل المرأة السعودية
الباب الرابع: بحث ميداني عن موقف المجتمع من عمل المرأة وهذا هو البحث الذي اتخذه الدكتور علي منطلقاً لهذه الدراسة الشاملة عن أحوال المرأة وحقوقها ومجالات عملها في المملكة العربية السعودية
الباب الخامس: سير ذاتية لسبع وعشرين سيدة من سيدات المملكة العربية السعودية (المنطقة الشرقية ومجالات عملهن هي: التعليم العالي: 5 سيدات، وفي الإدارة التربوية: 5 سيدات، وفي الطب: 8 سيدات، وفي الأدب وخدمة المجتمع: 6 سيدات، و3 سيدات أعمال وبعد دراستي لسير أولئك السيدات عنت لي ملاحظتان:
الأولى: أن الدكتور قد اعتمد على ما كتبته بعض السيدات مجال البحث مع ما تحتويه ردودهن من إسهاب لا يخدم الموضوع.
والثانية: أن هناك الكثير من السيدات ذات الريادة في مجالاتهن مثل:
1- المهندسة إلهام زيد الحلبية لها مكتب هندسي بالخبر ذو شهرة على مستوى المملكة
2- الفنانة التشكيلية حميدة السنان، رسامة تشكيلية شاركت في العديد من المعارض المحلية والدولية
3- اعتدال الذكر الله شاعرة وكاتبة لها العديد من الإصدارات الأدبية
وغيرهن كثيرات مما لا يسمح المجال لاستيعابهن
ويعزو الدكتور حرصه على تأليف هذا الكتاب لعدة أسباب هي :
1- افتقار المكتبة في الأقطار العربية من الخليج إلى المحيط إلى مرجع علمي وثائقي شامل عن نهضة المرأة السعودية.
2- حاجة الباحثين إلى دراسة شاملة عن المرأة السعودية تسهم في توفير أدبيات بحوثهم ودراساتهم.
3- حاجة المجتمع السعودي إلى مصدر يرصد تطور المرأة السعودية ونهضتها لتصحيح بعض المفاهيم عنها والتي تؤثر في نظرة الرجال إلى النساء.
4- ويسهم هذا المصدر بعد ترجمته إلى اللغة الإنجليزية وغيرها وانتشاره في العالم العربي والأجنبي في الرد العلمي على الحملات الإعلامية المعادية.
5- وسيسهم كذلك في تزويد الأجهزة المعنية كوزارة التخطيط والاقتصاد ووزارة العمل ووزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم وغيرها بالمعلومات عن المرأة السعودية لوضع الخطط والبرامج ذات العلاقة بما يتفق مع مقتضيات الحاضر.
وفي الواقع أن هذه الأسباب جديرة بالوقوف منها موقف الجد واتخاذ الخطوات اللازمة للاستجابة لها، وهذا ما فعله المؤلف، وهذا الكتاب ليس مجرد تقارير وإحصائيات ثابتة، بل هو مرجع أدبي وثقافي يرتكز على حس مرهف غذاه المؤلف من روحه الثقافية ليضع بين يدي القارئ ما يثلج صدره ويفرح قلبه ويثري معلوماته عن نصف المجتمع الذي أخذ يرتقي سلالم النهوض ليحتل مكانه وظيفة وإسهاماً ومشاركة وندية في صياغة النهضة المرتكزة على أسس التنمية الشاملة.
ولقد أحسن المؤلف حينما اختار تلك النماذج من السيدات الفضليات من المنطقة الشرقية لمجرد التدليل على ما وصلت إليه المرأة السعودية تعليما ومشاركة جنبا إلى جنب مع الرجل الذي بدأ صناعة تلك النهضة، إلا أن هناك نماذج من النساء المشاركات في النهضة الثقافية والعمرانية أشرت إليهن فيما سبق.
هذا الكتاب وثيقة يرجع إليها الباحثون الذين يتصدون لكتابة التاريخ بجميع ما تحتويه الفترة أو الفترات التي يحددها لها الراغبون في ذلك من النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية على وجه الخصوص التي هي الرسالة الأولى للمرأة حيث استطاع المؤلف أن يمحو عوامل التردد وعدم الإقدام على الدخول فيما أحجم عن خوضه الآخرون، وقد يتساءل القارئ الكريم لماذا هذا الكتاب ؟ أو ما هي الدوافع لوضع هذا الكتاب؟
يجيب المؤلف من واقع التجربة والمعاناة فيقول:
لقد تعرضت لمواقف في خارج المملكة وداخلها وكلها تساؤلات عن المرأة السعودية: نهضتها وتعليمها وثقافتها وحقوقها وقد زادتني هذه المواقف رغبة في الحصول على مصدر يفي بالغرض ويجيب على التساؤلات، ويكون بمثابة رسالة يمكن من خلالها الرد على من يجهل أو يتجاهل أو يشكك في موقف الإسلام من حقوق المرأة وموقف المملكة من تلك الحقوق، وما مدى التطور الثقافي الذي وصلت إليه ويبدو أن سبب الجهل بحقيقة المرأة السعودية هو قلة النشر عن نهضتها وعدم انتشار ما يكتب عنها في البلدان العربية لضعف الاتصال الثقافي بينها على الرغم من الحاجة الملحة إلى التأليف عن المرأة لغرض تنمية الدراسات في التاريخ الاجتماعي للمملكة.
ولإثراء الحركة الثقافية، وللرد على الحملات الإعلامية التي تشنها منظمة حقوق الإنسان والتي تستغل لأغراض غير نزيهة.
ويعزز هذه الحملة عدم وجود مصادر للمعلومات عن حقيقة المرأة السعودية وحقوقها وما وصلت إليه من رقي وتقدم.
وهذا الفراغ المعلوماتي والصمت الثقافي والعلمي والإعلامي من شأنه أن يدعم موقف من يريد استغلال موضوع المرأة لتشويه صورة الإسلام وصورة المملكة وصورة المرأة ذاتها ووصمها بالجهل والتخلف). فإنه يشير أو يحدد المسؤولية بعد أن يشيد إلى الجهات المسؤولة عن ذلك.
وحيث إن المسؤولية تقع على أصحاب القلم والفكر وعلى المؤسسات الثقافية في المملكة مثلها مثل بقية الدول العربية مع فارق كبير بينها رغم تطور المرأة فيها. فإن الضرورة تقتضي أن يتصدى الجميع للحملات الإعلامية والثقافية بالتأليف والترجمة والنشر.
ومن نتائج تلك الحملات أن قلة قليلة من النساء والرجال تأثروا بإيقاعاتها وأصبحت هذه القلة تعتبر أن المرأة غدت مسلوبة الإرادة وأنها سجينة البيت يمارس الرجل عليها التعسف والجور. والحقيقة إنما يحدث من الحالات الفردية لا يشكل ظاهرة اجتماعية عامة وتحدث مثل هذه الحالات في كل المجتمعات.
إن هذا الكتاب بحث يأخذ بيد القارئ للوصول إلى حقيقة ما يجب أن يقال عن المرأة، ولقد أعجبتني إشادته بتلك الأسرة الصغيرة التي شاركته في عمله المميز خاصة زوجته السيدة الفاضلة (فاطمة بنت أحمد العرفج) التي وددت أن يكون إهداء هذا الكتاب موجها إليها لأنها إحدى النماذج الأبرز في الحياة الأسرية ولأنها الساعد الأيمن الذي شد أزره حتى استطاع إنجاز هذا العمل المميز.
والملاحظات التي سبق طرحها عن هذا الكتاب لا تقلل من قيمته الأدبية ولا من محتواه العلمي والمحكم الذي شملته أناقة مؤلفه فجاء أنيقاً جميلاً شكلاً وموضوعاً فمتى ترى عملاً آخر بهذا المستوى يا دكتور علي؟
للتواصل على البريد الإلكتروني:
Abdulla-alshubat@hotmail.com