مكة المكرمة لم تأخذ مكانتها وموقعها بالصدفة أو عن طريق القرعة، إنما اختارها وأقام وأعلا مكانتها وقيمتها العليم الحكيم سبحانه الذي لا يفعل شيئاً عبثاً.
والناس في مكة المكرمة والمدينة المنورة عند ظهور الرسالة، لم يكن وجودهم على اختلاف مواقفهم وما آمنوا به عبثاً أيضاً، فالذين ناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم وعزروه وقاتلوا في سبيل إعلاء كلمة الله آباءهم وإخوانهم وعشائرهم، لم يوجدوا في ذلك الزمان بصفاتهم وأشخاصهم ومسمياتهم عبثاً أو من باب الصدفة، حتى المشركين الذين وقفوا بجبروتهم وتصلب عقولهم لم يكونوا في ذلك الزمان بشخوصهم ومكانتهم من باب العبث أو الصدفة، لم يحدث شيء إلا بتقدير العزيز العليم، ولن يحدث شيء إلا بتقديره ومشيئته سبحانه.
وليس من باب الصدفة أو العبث أن نكون نحن في هذا البلد أحفاد المهاجرين والأنصار، الذين فتح الله على أيدي أجدادهم وسلفهم الصالح الأمصار ونشروا دينه في كل الأصقاع، وليست صدفة أو ضربة حظ أن يوحد الله بقاع هذه الجزيرة المترامية على يد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وأن تكون بلادنا في صورتها الحديثة، وموقعها ومكانتها المستمدة أصلاً من مكانة وموقع مكة المكرمة والمدينة المنورة على ما هي عليه الآن، وأن نتولى فضل وشرف رعاية بيت الله ومسجد نبيه وشرف خدمة ضيوف الرحمن من حجاج ومعتمرين. فالمسألة يا سادة مختارة بعناية وبتدبير مدبر الأمور، الذي بيده الملك ومن خلق الموت والحياة، وهذا فضل خصنا الله به دون سائر خلقه.
هذه لوحدها لو لم يكن في الحياة كلها غيرها، نعمة كبرى خصنا الله بها- والله يختص بنعمه من يشاء- تفرض علينا أن نحمد الله عليها ليلاً ونهاراً، بالقول والعمل والمجاهدة فيما يرضيه سبحانه، وهي في الوقت نفسه إشارة واضحة أن لأهل هذا البلد الطيب بطيب أطهر بقعة اختارها الله ليكون فيها بيته الحرام ومسجد نبيه، عالمهم ومتعالمهم، كبيرهم وصغيرهم، صحويهم وليبراليهم، أو غيرها من المسميات التي ما أنزل الله بها من سلطان، رسالتهم التي اختارهم الله لها، والتي أتمنى ألا تصرفهم فتن الدنيا ومغرياتها عنها.. والله المستعان.
naderalkalbanl@hotmail.com