كل ما قرأت مقالاً في صحافتنا يحذّر وينبّه معالي وزير العمل الجديد المهندس عادل فقيه، تذكرت مشهد الشاب القروي البسيط الذي وقع فجأةً بين أيدي سماسرة شراء السيارات في المعارض، أو «الشريطية» باللفظ الدارج، وكل واحد يشدّه من كمّ، ويصيح في أذنه: بع بع! حتى أصابه الرعب وهو يتلفّت يمنة ويسرة، ويحاول أن يخلِّص ذراعيه وياقة ثوبه من تطاولاتهم دونما فائدة!
ربما أضطر أن أكون أحدهم اليوم، لأشدّ الوزير من يده وأهرب به بعيداً عن أصواتهم وضجيجهم، كي أبتاع سيارته بأقل سعر ممكن، أقصد كي أهمس في أذنه بعيداً عن اللغط الطويل حول البطالة والسعودة وسوق العمل والتأشيرات والعمال وغيرها، فهي أمور بلغت ملفاتها عنان السقف في مكتبه، إلى درجة أنه بالكاد يرى باب المكتب إن مغلقاً أم مفتوحاً.
قد تبدو الأمور سهلة بالنسبة لنا، فعدد الأشخاص العاطلين عن العمل قد يبلغ نصف مليون سعودي، بينما عدد الأجانب في سوق العمل يبلغ ثمانية ملايين على الأقل، أي أن إحلال جميع هؤلاء العاطلين لن يؤثر إلا على نسبة 7% من الأجانب تقريباً، هذا صحيح، لكن هناك لعب وفوضى وسوق سوداء لها مستفيدون وتجّار وسماسرة، من الصعب القضاء عليها.
كل ذلك صحيح ومعروف، ويحتاج إلى تدخّل جراحي عاجل لإيقاف هذه الفوضى المجنونة، ليس على مستوى الوزير فحسب، بل على مستوى أعلى، من أجل صيد خفافيش التأشيرات، ولجم معدلات البطالة المتصاعدة، وإيقاف التوظيف الشكلي للسعوديين، الذي لن يأتِ إلا من شعور المواطن نفسه بالمسؤولية تجاه نفسه، وتجاه وطنه.
سأدع كل هذا، لأن الوزير سيركّز حتماً على المشكلات المباشرة لوزارته، لكنني سأدعوه إلى الإسراع بعقد قمّة ثلاثية مع وزيري المالية والشؤون الاجتماعية، من أجل التدخّل في تعجيل إقرار رواتب البطالة، التي سبق أن طُرحت تحت قبة مجلس الشورى، فمعظم دول العالم، حتى متوسطة الناتج المحلّي منها، لديها رواتب مقننة للعاطلين عن العمل، سواء بلدان أوروبا، أو حتى دول الخليج المجاورة، التي تتراوح الرواتب الشهرية فيها للعاطل عن العمل بين ألفين وخمسة آلاف ريال، صحيح أن عدد العاطلين لدينا قد يعادل شعب إحدى هذه الدول الصغيرة، لكن الأمر يرتبط بمعدل الناتج المحلّي لاقتصادنا الذي لا يختلف كثيراً عن دول الخليج، ففي حين كان الناتج المحلي الخليجي للعام الجاري 4.4% فإن الناتج المحلي السعودي بلغ 3.9% لهذا العام.
لذا أتمنى من الوزراء الثلاثة، ومن جميع أعضاء مجلس الشورى، أن يدفعوا هذا المشروع المهم ويدعموه، ويتابعوا إقراره والموافقة عليه وتفعيله، فقد يكون مبلغاً بسيطاً، مثل ألف أو ألف وخمسمائة ريال شهريًّا، ستراً لامرأة، أو فرجاً لشاب عاطل يكاد أن يمد يده متسوّلاً أو سارقاً، أو مرتكباً أيّ جناية تهدم مستقبله قبل أن تهدم من حوله!
ألا يساوي أمن المجتمع واستقامته ألف ريال؟ وحتى لو كان الثمن خمسمائة مليون أو نصف مليار شهرياً، ألا يستحق الأمر؟!
أظن أن ثمن ذلك أكبر كثيراً من هذا الرقم الزهيد.