لئن كان معظم المسلمين يستبشرون بدخول شهر رمضان على اعتبار أنه شهر الهدى والمغفرة ووسيلة للفوز برضا الله؛ فإنه يعد لبعض أقوام شهر الحسرة والخسران وضياع الفرصة. قال صلى الله عليه وسلم: (رغِمَ أنف امرئ دخل عليه رمضان, ثم انسلخ قبل أن يغفر له) والواقع أن هذا الحديث الشريف يعلق آمالنا الكبيرة بغفران ربنا لذنوبنا قبل مغادرة هذا الشهر زماننا، وإن لم يغادر قلوبنا. ومن يخسرون أجر رمضان فقد خسروا دينهم ولم يعرفوا كيف يكسبونه ابتداء من عدم إخلاص نية الصوم لله تعالى، وإنما صيام التعود مصداقا لقوله عليه السلام: (مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) فشرط الغفران مقترن بصدق النية لا محالة.
ويشاركهم في الخسران من يتركون قيام لياليه القصيرة إما كسلاً عن الطاعات أو تثاقلاً أو انشغالاً بأمور وملهيات ليست بالضرورة محرمة. ويشاطر هؤلاء المداومون على ارتكاب المحرمات، أو اقتراف سوء الخلق في تعاملهم مع العباد سواء بالقول أو الفعل أو قول الزور. فرسول الهدى عليه الصلاة والسلام يقول (من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه).
وليس بعيداً عن الخاسرين من يبدد الأوقات في السهر على الملذات، وينام طيلة النهار هروبا من مكابدة الصوم، فيضيع الفرائض من الصلوات، عدا ضياع لذة الصوم والهدف السامي منه.
ويشترك مع هؤلاء وأولئك مَن يجتهدون في بداية الشهر ويتحمسون وينوون التوبة والإقلاع عن الذنوب، والاستقامة في السلوك، ويجددون العهد مع ربهم ثم ما تلبث هممهم بالفتور، فينقلبون على أعقابهم باستئناف العبث والضياع. وإن كان تضييع هؤلاء يعود على أنفسهم؛ فإن هناك فئة يطال تقصيرهم غيرهم من العباد كأولئك المقصرين في أعمالهم المناطة بهم لخدمة الناس مثل الموظفين والعمال، فهم قد ضيعوا الأمانة بحجة أداء فرض الصوم وما يترافق معه من تعب، وما علموا أن تعبهم في خدمة الناس له أجره عند ربهم، عدا طهارة ما يستلمونه من الرواتب.
فهؤلاء جميعا قد خسروا أنفسهم، وأضاعوا الفرصة. ولو أحكموا أمرهم لاغتنموا هذه الأوقات الشريفة في التزود من العبادات والطاعات.
ورمضان هو مكرمة ربانية سنوية من الله وحده لمن أخطأ أن يتوب، ولكل من كبلته الشهوات وأحاطت به الذنوب أن يعود، ولمن ابتعد عن خالقه أن يؤوب. ولا بد من جهاد النفس ومقاومة الإغراءات من أجل الحصول على تلك المكرمة. ولتحقيق المكاسب الإلهية ينبغي الصدق مع الله، وإخلاص النية، والتوبة النصوح بعدم العودة للذنب، والإكثار من الأعمال الصالحة، وتجديد العهد مع الله بثقة وإيمان، وعدم الركون والدعة اعتمادا على سعة عفو الله وحلمه ومغفرته، فإنه كذلك وأكرم.. ولكنه شديد العقاب لمن يستخف بتلك الرحمة ويستغل ذلك الكرم.
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com