{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}, و{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} لن يخلد أحد إلاّ وجه الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} جلّت قدرته..
والموت حق.. وكلنا سنواجه هذا المصير.
والدنيا كلها ومَن فيها.. فانية وتبقى دار المقر.. دار الآخرة دار الخلد..
ولست هنا لأكتب موعظة عن الموت.. لكننا نفجع في كلِّ فترة بوفاة قريب أو صديق أو زميل أو شخص نعرفه..
كم في هذا الشهر الكريم.. رمضان فقط.. من الأشخاص ماتوا دون أن يكملوا رمضان؟
أعداد كبيرة.. نسأل الله تعالى لهم المغفرة والرحمة والرضوان.
يوم الاثنين الماضي.. فقدنا أحد الأصدقاء والمعارف القدامى.. أحد المؤسِّسين لنادي الهلال.. وواحد من الأركان الذين لهم بصمات في بدايات ونشأة وميلاد نادي الهلال قبل خمسين عاماً.
الأخ العزيز عبد الرحمن بن شعيل أحد أبرز الوجوه التي أسهمت في وجود نادي الهلال.. وعايش بداياته الصعبة.. وكان مخلصاً للنادي.. يعمل داخل أروقة النادي طوال الوقت.. ولم يكتف بصرف وقته داخل النادي.. بل كان يصرف على النادي من جيبه.. نعم.. كان يقتطع من قوت أولاده ليعزِّز مسيرة النادي دون توقف.
لقد صرف على النادي من جيبه قبل خمسين سنة.. يوم كان (القرش عزيزاً) وكان الناس لا يملكون إلاّ القليل.. فقد بذل وأعطى وأنفق على النادي من جيبه الخاص.. وكان يعمل بكلِّ هدوء وصمت.
الأخ عبد الرحمن بن شعيل كان أول أمين صندوق لنادي الهلال.. وكلُّنا يعرف ذلك.. وعمل بمسئولية وإخلاص ضمن أول إدارة لنادي الهلال.. وسجّل تاريخ الهلال حضور عبد الرحمن بن شعيل فهو من الرجال النوادر.. الذين شكّلوا هذه البدايات ووضعوا الركيزة الأولى لنادي الهلال.. وعمل بكل إخلاص ومسئولية ثم سلّم الزمام لجيل آخر.. قادر على النهوض بمسئوليات المرحلة.
عبد الرحمن بن شعيل.. وكما يعرفه من عايشوا بدايات الهلال.. كان يعمل طوال الساعات.. وكان يُعطي في كلِّ اتجاه.. وكان يُقدم الهلال على أولاده.. وكان كلُّه تضحية وإخلاص لنادي الهلال.. والتاريخ يؤكد أنه أحد الرموز الهلالية.. ومع ذلك.. مات الرجل - رحمه الله - دون أن تُعزِّي فيه إدارة الهلال.. ودون أن تنشر نصف سنتمتر عنه.. ودون أن تنعاه ولو بسطر واحد.
حضر مؤسِّس الهلال.. الرياضي الكبير شيخ الرياضيين إلى منزل الفقيد ولم يثنه المرض والتعب.
حضر عبد الرحمن بن سعيد وهو صائم متعب وجلس مع أولاده وأسرته لوقت طويل.. وتحدث عن تاريخ وعطاء هذا الرجل وأوفاه حقه.. وشارك أبناءه العزاء.. وكان لحضور (أبو مساعد) شخصياً.. وجلوسه لوقت طويل مع أبنائه.. وتقبُّله العزاء في الفقيد.. كان له وقعٌ كبيرٌ في نفوس أبنائه وأقاربه وكل هلالي.. وكل رياضي.
أما إدارة الهلال.. فلم يحضر أحد.. ولم يُعزِّ أحد.. ولم يذكره أحد.. ولو بكلمة واحدة..
لماذا كل هذا العقوق؟
ولماذا كل هذا التجاهل؟
عبد الرحمن بن شعيل.. مرض وتعب في آخر حياته.. ولم يسأل عنه أحد.. ومات ولم يُعزِّي فيه أحد من إدارة نادي الهلال.
لقد زرت أبناءه.. وحزَّ في نفسي وتألمت.. أنّ المكان وهو بفضل الله.. يعجُّ ويمتلئ بالمعزِّين طوال أسبوع ولكن.. لم يكن فيه واحد من الهلال نفسه.
تخيّلوا.. جاء للعزاء أناس من الوسط الرياضي.. ومن أندية أخرى.. وجاءه إعلاميون ومثقفون.. وجاءه مسئولون من كل مكان.. إلاّ إدارة نادي الهلال الرياضي بحي العريجا!! تجاهلت هذا الحدث المحزن.. ولم يكلف واحد منهم نفسه.. ليذهب للعزاء.. ابتغاءً للأجر أولاً.. ثم عرفاناً بدور الفقيد في المسيرة الهلالية.
سواء حضرتْ إدارة الهلال أم لم تحضر.. لن يُغير ذلك.. ولن يزيد.. ولن يُقلل من دور عبد الرحمن بن شعيل في بناء الهلال وفي المسيرة الهلالية.. فتاريخه يعرفه القاصي والداني.. وعطاؤه وجهوده - رحمه الله - داخل المؤسسة الهلالية موثّق.. ويعرفه الجميع.. ولا أدل على ذلك.. من حضور المؤسِّس الهلالي الكبير (أبو مساعد) لمكان العزاء.. رغم المرض والتعب.. وحرصه على البقاء لوقت أطول.. ليقول للجميع.. إنّ هذا الفقيد.. يستحق أكثر من ذلك.
رحم الله عبد الرحمن بن شعيل.. وأسكنه فسيح جناته..