الرياض - واس:
ينتظم آلاف الصينيين منذ ساعات الصباح الأولى أمام بوابات جناح المملكة العربية السعودية في المعرض العالمي «أكسبو 2010م» المقام حاليًا في مدينة شنغهاي، حيث يجذب المعرض ما يزيد عن 25 ألف زائر يتسابقون يوميًا للحصول على بطاقات دخول المعرض للاستمتاع بطريقة العرض ومشاهدة أكبر قدر ممكن من الصور والعروض مما تنفرد السعودية به عن غيرها من آثار وثقافة عربية إسلامية يتقدمها في الاهتمام مكة المكرمة قبلة المسلمين. فالزائر لجناح المملكة العربية السعودية يطّلع منذ دخوله على أبرز المنجزات التي تحققت على أرض الواقع في هذا البلد المترامي الأطراف الذي تصبغ الصحراء أغلب بيئاته، عبر رحلة ثلاثية الأبعاد في سفينة النور تسير بهم من نهر «هوانج بو» المحاذي للمعرض إلى صحاري المملكة وقفارها التي تحولت إلى واحات صناعية وتقنية وثقافية في فترة وجيزة تصورها الرحلة عبر عروض مصورة بأبعاد بانورامية.وفي سفينة النور الانسيابية (جناح المملكة) ترسو من خلال أكسبو 2010 في أحد أكبر موانئ الصين التجارية (شنغهاي) فيتنقل الزائرون للمعرض بين طوابق دائرية حلزونية منسجمة مع الروح الإسلامية السمحة، لتصل إلى الحضارة الإسلامية وتأثيرها الإِنساني على الحياة وأبرز سمات الحضارة التي أطلقها رسول الإنسانية الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فمن خلال شاشة كبيرة تعد الأكبر في معرض أكسبو تصف الإسلام بأنه دين سلام ومحبة وإخاء وبناء ونماء يجمع شعوب العالم في سلام وللتعارف والتعاون على الخير. وقبل أن تصل إلى قمة الجناح تمر بجدران امتزجت فيها روح الحضارة السعودية والصينية بين عدة عناصر تقليدية، حيث تزينت الجدران والسقوف والأعمدة بالزخارف الإسلامية الأصيلة، وجاءت محتوياتها ومكوناتها منسجمة مع طبيعة الصحراء وحياة المياه ورخاء الواحات، فتأخذك العروض المتحركة والضوئية إلى أطهر بقاع العالم عند المسلمين، والأرض التي يجب أن يفد إليها كل مسلم وهما المسجد الحرام والمسجد النبوي، حيث ينطلقان إلى روحانية هذين المكانين عبر تفاصيلها الكثيرة وشرح المواقع والطرق بلغات مختلفة ومنها اللغة الصينية، والذهاب عبر طائرة تعبر تضاريس مكة المكرمة القاسية إلى المشاعر المقدسة، حيث يستقر الزائر ليرى كيف يجتمع ملايين الحجاج بلباس وهدف ومكان وزمان واحد في منى وعرفات ومزدلفة وسط تصوير يلف القلب دهشة، وهنا حين تقف وتسأل أحدهم عمّا رأيت أو يصف ما شاهده سينطلق في نوبة إعجاب ودهشة فكأنه بالفعل قد سار إلى المملكة.
إن المشاريع العمرانية في المشاعر المقدسة كانت على قدر كبير من الأهمية في الأثر المكاني والزماني، فنالت ضمن معرض أكسبو العالمي لقب «أفضل مشروع حضري من بين 221 دولة مشاركة في «أكسبو 2010»، إثر فوزه في مسابقة المشاريع المحافظة على البيئة التي جرى ترشيحها ومن ثم عرضها في جناح المملكة العربية السعودية المشارك في المعرض بمدينة شنغهاي، ليحقق المشروع أكثر من هدف بيئي وصحي وأمني ووقائي.
وزاد الاهتمام بعد ذلك بجناح المملكة لرؤية مكة المكرمة ومشروعات التطوير المدني فيها ومن ذلك رؤيتة المملكة في مشروع «مدينة أفضل، حياة أفضل»، حيث جذب هذا الفوز الصينيين لزيارة المعرض بكثافة خلال ثلاثة أشهر هي نصف المدة المقررة للمعرض، حتى حقق جناح المملكة نجاحات وسمعة طيبة مسجلاً حضورًا زاد على (2.206.194) في مؤشر يؤكد نجاح المعرض.
ومنذ افتتاح المعرض بداية شهر مايو هذا العام الذي يُعدُّ من أضخم المعارض الدولية، حيث تشارك فيه أكثر من 200 دولة والمنظمات الرسمية المختلفة والشركات العالمية، وتستمر فعالياته لمدة ستة أشهر حتى نهاية شهر أكتوبر، أمسى الجناح السعودي أحد أكثر الأجنحة شعبية واحد أفضل المقاصد لزوار المعرض، بحسب ما ذكرته الإحصاءات الرسمية للمعرض.
وبرز الجناح السعودي من حيث أعداد الزوار من بين الأجنحة بمساحته الإجمالية التي بلغت نحو 5.28 كيلومتر مربع، ويتوقع القائمون على الجناح أن يتجاوز عدد الزوار أكثر من 7 ملايين زائر على الأقل.
وجاء تميز مشروع «منى» الحضاري كونه نموذجًا أمثل لمعالجة الكوارث والأزمات الطبيعية، حيث يقدم في الوقت ذاته حلولاً للوقاية من الانهيارات الأرضية، فيما عبّر الصينيون عن رغبة في تبادل الخبرات في هذا المجال والاستفادة من برنامج الوقاية في «منى» حيث يقدم حلولاً ذكية لوقاية المدن المزدحمة بالسكان، والأكثر تعرضًا لخطر الانهيارات الأرضية. فمشروع منى القائم في المشاعر المقدسة بالمملكة يقدم خيارات أكثر سلامة وأمنًا للحجاج في مدة وجيزة ومحدودة جدًا بالنظر إلى الكثافة البشرية التي تتجاوز 3 ملايين حاج..
كما أن ذلك يأتي بعد اختيار «مدينة منى» ضمن أفضل 55 نموذجًا للتجارب الحضرية من بين 226 على مستوى العالم للمشاركة في معرض (أكسبو 2010) ليقدم للعالم أحد أكثر الممارسات الحضرية تطورًا وأمانًا فهي إلى جانب توفير الراحة والسعة لحجاج بيت الله الحرام تقي - بإذن الله - من وقوع كوارث بشرية، حيث تم تثبيت الصخور الكبيرة على الجبال بواسطة قضبان من الصلب وبناء جدران حجرية وسط سفوح الجبال لاحتواء الصخور المتساقطة، وبناء سدود ارتفاعها ما بين 50 إلى 70 مترًا من أجل احتواء التدفقات الطينية والصخرية، إلى جانب بناء قنوات تقود المياه المتدفقة إلى خزان ضخم.
كما أنها تقدم الحماية للحجاج الذين ينامون في بطن الوادي «ليلة المبيت في منى»، حيث تم تغطية ما مساحته 2.9 كم مربع بخيام بيضاء تعمل بأنظمة حديثة مقاومة للحرائق والرياح في مكان يُعدُّ الأكثر كثافة في العالم، إضافة إلى عرض التحديات التي تواجه هذا المشروع، حيث يوفر المأوى الآمن والصرف الصحي الجيد، والمياه، والكهرباء، والاتصالات، والدفاع المدني، والرعاية الصحية والأمن، فضلاً عن السيطرة على الحشود وتطبيق الأساليب العلمية لتتبع وقياس حركة الجماهير على طول جسر الجمرات وعلى مستويات مختلفة من خلال استخدام كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وتحليل النتائج بواسطة الحاسوب، ونقل المعلومات التقييمية إلى غرفة التحكم.
كما أن النموذج المستوحى من «مدينة منى» يقدم المشاريع المستقبلية المخطط لها من قبل المملكة لخدمة ضيوف الرحمن كمشروع القطار السريع الذي سينقل خمسة ملايين الحجاج في أقل من ثماني ساعات عبر خمسة خطوط للسكك الحديدية موازية وهي الآن قيد الإنشاء.
ويظهر النموذج ما نتج عن هذه التجربة من الاستخدام الأمثل للأراضي مع استخدام كميات أقل من السيارات، وكفاءة استخدام الموارد، وقدرًا أقل من التلوث والنفايات، واستعادة النظم الطبيعية، ذات نوعية لائقة على البيئة الصحية والاجتماعية واقتصاديات مستدامة.
وسلّط مشروع منى الضوء على مدينة خيام منى لأول مرة في تاريخ المعارض العالمية بوصفه واحدًا من أفضل الأمثلة في بلورة بيئة أفضل لحياة الإِنسان في المناطق الحضرية في واحدة من أكبر مدن الخيام التي بنيت على الأرض، والمخطط لها بشكل مبتكر التي تمكن من تلبية الاحتياجات المتنوعة لما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من الثقافات غير المتجانسة في منطقة محدودة، وعلى جدول زمني ضيق.
وتطلب تجهيز الجناح السعودي للزوار قبل بداية المعرض نحو سنة ونصف، راعى فيه المصممون أن يكون الجناح وفق رؤية العلاقات السعودية الصينية الضاربة في أغوار التاريخ، فصُمِمَ المعرض على شكل سفينة وهلال يعكس الصداقة التقليدية والتبادلات الودية بين السعودية والصين، كما تعكس السفينة التي ترسو في أحد أكبر موانئ الصين التجارية الأبعاد الاقتصادية والمعرفية والثقافية التي تربط الجزيرة العربية بالصين في عهد قديم، فكان الجناح بمثابة نقطة البداية لإعادة طريق الحرير البحري القديم.
وخطط المصممون جناح المملكة بشكل انسيابي رشيق مستوحى من إبريق الكنز في التراث الصيني الذي يمثّل الازدهار والفأل الحسن، فكان الموقع المميز للجناح إضافة أخرى متميزة ومطلة على نهر هوانج بو، حيث رست «سفينة النور» على حديقة الصداقة السعودية الصينية التي مزجت في تصميمها بين عدة عناصر تقليدية في كلٍ من المملكة العربية السعودية والصين.