جروح الزمان تتجدد.. وفقد الأحبة من العلماء.. والشعراء.. والأدباء بل الأمراء والملوك فجيعة.. فعندما يترجل فارس بحجم أبي سهيل فهذه فاجعة حقاً.. فارس في ميدان عمله.. وفارس في ميادين الشعر.. فارس أيضا في ميادين التواضع والأخلاق.. فمن حق الأقلام أن تبكي.. أن تئن لفقد مثلك يا أبا سهيل.
|
اجترني قلمي القابع في مهجع.. ليبكي غازي القصيبي عندما وقع عليه الخبر هكذا!! قابلته ذات مساء إبان كان سفيراً في البحرين رحمه الله.. حيث كان شقيقي الذي يكبرني الشيخ الفاضل محمد (أبو وليد) يعمل في حقل التعليم مبتعثاً من قبل الوزارة فأصر على أن نلتقي غازي لمعرفته الجيدة به.. فلما ولفنا إلى ديوانيته ذات ليلة فاستقبلنا ببشاشته ومداعبته عن مدينتي (مرات) وما أظرف أبي سهيل في مثل تلك.. فأخذنا إلى مكتبه المنزلي واحتفى بمجيئنا.. وقدم إلي بمجموعته الشعرية بإمضاء قلمه رحمه الله، ولا زالت مكتبتي تزدان بمثل تلكم الإهداءات الخاصة.. هذه الأريحية التي يمتلكها هذا الوزير.. هذا السفير.. هذا الأديب.. هذا الشاعر المشبعة بحسن الخلق لمدعاة أن نبكي على مثله.. هذا المخلص الوفي لوطنه ولأبناء وطنه.. رحل غازي وفي نفسه شيء من (عطاء).
|
كنت أتلقف بلهف ما يكتب أبو سهيل وأستقرئ ما وراء تلكم القوافي والأحرف الحزينة.
|
|
أنت «يا فارس» البيان (سهيل) |
نقتدي فيه بالحياة فنهتد |
مالي (يارا) تضم كل كتاب |
و(نجاد) يتوق ضم المهنّد |
كنت سيفاً سُللت في كل حرب |
في الوزارات فالسفارات تشهد |
القصيد ينساب حقيقة فأعجبتني تلكم
|
البويتات التي ناحها الشاعر اللهيب..
|
|
يا عالم الغيب: ذنبي أنت تعرفه |
وأنت تعلم إعلاني وإسراري |
وأنت أدرى بإيمان مننت به |
عليّ.. ما خدشته كل أوزاري |
أحببت لقياك.. حسن الظن يشفع لي |
أيرتجى العفو إلا عند غفّار |
إنه اليقين.. إنه الاعتراف بين يدي الله بالخطيئة الآدمية.. إنه حسن الظن بالله.. عندما خاطب النفس قال غازي:
|
لا تتبعيني دعيني واقرئي كتبي |
فبين أوراقها تلقاك أخباري |
لم يقل رحمه الله (تلقين أخباري) لاحظوا هنا مشافعة البلاغة للشاعر!
|
يقول الشاعر عبدالعزيز الشاطري:
|
صديق الملوك صاحبته الوزارة |
تناديه هيّا يا وزيراً مغادياً |
جميع الوزارات لها فيه مطلب |
رأته الشجاع الصارم المتفانيا |
حقيقة الكل بكى رحيل أبي سهيل.. وليس بمقدورنا أن نقدم له في مماته إلا الدعاء.. وطلب المغفرة له من الله سبحانه وتعالى الغفور الرحيم.
|
وفي جانب آخر كان غازي (ربما) يعاين لوحة رسمها الفنان الأمير الشاعر خالد الفيصل أو قد نفوق (رؤى) مرت خاطرة.. يقول غازي كما ذكر الزميل أحمد الواصل:
|
ذاب من فرط حسنها الفنان |
تلك (لورا) فداء (لورا) الغواني |
|
تتوارى عن العيون احتشاماً |
وحنان بمهجة الفنان |
أنت (غاز) ومثلها ينشد الرفق |
صواباً في لجة من حنان |
ثم أكمل غازي بقية الأبيات:
|
وتوارت تحت الحنايا فكانت |
نابضاً في مشاعري وكياني |
لا تسلني يا شاعري عن هواها |
يرفض السر أن يبوح لساني |
وتلك غناها فنان العرب محمد عبده مع إبدال (غاز) ب(شاد)..
|
ما أروع (أبو سهيل) عندما ينشد صدقاً ومشاعر فياضة.
|
رحمك الله يا غازي.. ولتبك البواكي بعدك وليبك القلم والقصيد إلى حيثما السلوى.. والله المستعان.
|
|