يرحم الله أبا يارا وأبا سهيل وإخوانه، يرحم الله غازي القصيبي الإنسان الحبيب المحب الودود العطوف الذي دائرة أصدقائه المباشرين ليست كبيرة ولكن اتضح أن أحبابه وأصدقاءه غير المباشرين أوسع من الكرة الأرضية.. هذا هو الإنسان الذي تقاس محبته بحجم ما يردد الناس اسمه ويثنون على خلقه وطبعه وإنجازاته ليل نهار، إنه بحق استثنائي وسيظل الاستثناء الوحيد، ولن تنجب أم غازياً آخر بصفات ومميزات وخصائص الغازي الذي رحل ولو بعد حين.
مر أكثر من أسبوع ولم أستفق بعد من صدمة الوفاة والرحيل إلى الأبد، ولكن نحن مسلمون والحمد لله نؤمن بالله وبالقضاء والقدر، وأن هذه الدنيا فانية ومن عليها ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام.
فاجعة بحجم الوطن والأمة في إنسان توافرت فيه كل خصائص المؤمن المخلص الصادق الحنون الرقيق والصارم الذي لا تأخذه إلى الحق لومة لائم، إنه الوطني الصافي الذي آثر على نفسه وصحته مصلحة الوطن وأبنائه منذ نشأته وحتى رحيله.
كم كانت هموم الوطن ملء قلبه وعقله وإحساسه، وكم كان المواطن نصب عينيه يحاول بكل ما استطاع أن يوفر له العيش الكريم والحياة السعيدة في كل المسؤوليات والقطاعات التي كلف بها، بل وأبعد من ذلك.
إنه مهجة قلبي - وأنا قطعة منه، وقد عشت معه وتعاملت طيلة عقود لم تنقطع حتى اختاره الله إلى جواره، ولم ألحظ كلمة جارحة أو نبرة حادة أو لفظ مسيء وحتى في أحلك الظروف وأسوأ الأحوال يسيطر على نفسه ويروضها ويقسو عليها حتى لا تتجاوز حدود الأدب والمعاملة الحسنة، حتى مع من اختلف معهم أو تعدوا على ذاته أو على أفكاره، أو وصفوه بصفات لا تليق، ولكنه حليم صبور ويتحمل كل الأهوال والمصائب والضغوط.
رحمه الله، عشرات السنين مضت معه ولم أسمع أو أشعر بأي إساءة أو قسوة أو عنف لي أو لغيري أو لأي كان، ومهما كان يتعامل مع الصغير بتواضع الكبار وبنفس مستوى الكبير فلا يتكبر ولا يتعالى، تدخل قلبه ويدخل قلبك من أول لقاء، لن أوفيه حقه من الإطراء والذكر وسرد الحقائق فهو كبير كبير واستثنائي ورجال في رجل - رحمه الله -. عشت معك يا غازي بحب، ورحلت وتركتني أصارع الصدمة وأتداول الفجيعة، وأفكر في من يغطي فراغ رحيلك، ولكن هيهات، لن أجده، فأنت كنت وستظل ذكرى عاطرة وطيبة وأعدك أنني سأكون وفياً لك بعد فراقك كما كنت في حياتك - رحمك الله - يا أبا يارا.. وغفر لك وأحسن مقامك وجعل الجنة مثواك، ونور قبرك وجعله روضة من رياض الجنة.
(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)