«عبد الله» شاب في مقتبل العمر عانى من مرض الفشل الكلوي، وجاهد من أجل الخضوع لعملية نقل كلية في إحدى الدول الآسيوية.. لم يستطع تحمل تكاليف العملية، فاجتهد حتى أعانه الله على ذلك.. كان كمن يبحث عن قدره، لا شفائه.. تيسر أمر تمويل السفر وتكلفة العملية.. نجح في الحصول على الكلية، وبقي في العزل شهراً، ثم عاد إلى المملكة.. عاد سعيداً مستبشراً بالشفاء، إلا أن عودته كانت للوداع، ودع زوجته وأبناءه من حيث اعتقد أنهم يستقبلونه مهنئين بنجاح العملية، وسلامة الوصول.. أمضى أسبوعين في المستشفى، قبل أن يدخل في غيبوبة لم يفق منها، حيث توفاه الله متأثراً بمضاعفات نتجت عن العملية التي أجريت له، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والعتق من النار في هذا الشهر الفضيل.. تُشير الإحصائيات الطبية المُعلنة إلى وفاة 50 في المائة من السعوديين الذين يسافرون خارج المملكة لزراعة الأعضاء بسبب عدم تطبيق المستشفيات للاحتياطات الصحية اللازمة، إضافة إلى تسببها بنقل الأمراض القاتلة كالأيدز والتهاب الكبد الوبائي للمتلقين.. ربما كانت الإحصائيات أكثر ارتباطاً بزراعة الكبد، إلا أن عمليات الكلى ليست مستثناة من مخاطر الوفاة، والأمراض المستعصية، وفشل الزراعة والشواهد كثيرة. عمليات نقل الأعضاء في الخارج تنطوي على كثير من المخاطر الصحية، والشرعية أيضاً، فالمتبرعون الأجانب إنما يقومون ببيع أعضائهم مقابل المال لظروفهم القاسية وحاجتهم المُلحة، أو ربما كانت الأعضاء المُقَدمة للمتلقين متأتية من عمليات الخطف والقتل التي تقوم بها عصابات المتاجرة بالأعضاء البشرية.قامت المملكة بدورها في توفير البديل المناسب لزراعة الأعضاء البشرية محلياً، حين بادر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أمير منطقة الرياض، بدعم إنشاء مركز متخصص يُباشر التنسيق لزراعة الأعضاء والتبرع من المتوفين دماغياً العام 1404 هـ.. تطورت إجراءات وأنظمة التبرع بالأعضاء منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، وكان لجمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لرعاية مرضى الفشل الكلوي دور مهم في إعداد برنامج التبرع بالأعضاء بين الأحياء غير الأقارب الذي وافق عليه مجلس الوزراء الموقر.. التبرع بالكلى جزء من اختصاصات المركز السعودي لزراعة الأعضاء المعني أيضاً بزراعة الكبد، القلب، الرئة والقرنية، إلا أن الشراكة الوطنية خلقت نوعاً من العلاقة التكاملية بين المراكز الطبية المتخصصة في المملكة، ومنها العلاقة المثمرة التي ربطت المركز السعودي لزراعة الأعضاء، بمركز الأمير سلمان لأمراض الكلى، وجمعية «كُلانا».
آلاف من مرضى الفشل الكلوي هم في أمسّ الحاجة للحصول على أعضاء جديدة تُعينهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي بعيداً عن جلسات الغسيل الدائمة والمتكررة؛ وعلى الرغم من نمو حجم الوفيات الدماغية في المملكة تبقى عمليات التبرع بالأعضاء محدودة جداً، لا تُقارن بالحاجة، أو بعد المتوفين، ما يحرم كثيراً من مرضى الفشل الكلوي من الحصول على الأعضاء الصحيحة من المتبرعين.. توفير الرعاية الصحية الشاملة لمرضى الفشل الكلوي باتت مكلفة جداُ، ومراكز الدولة لم تعد تستوعب الأعداد المتنامية من المرضى، ما أدى إلى ظهور الجمعيات الخيرية المتخصصة كجمعية «كلانا» التي نجحت في توفير الرعاية الشاملة لأكثر من 700 مريض وبتكلفة سنوية زادت عن 80 مليون ريال.. التبرع بالكلى يعني خفض عدد المصابين المحتاجين لعمليات الغسيل، وتخفيف الضغط على الجهات الرسمية والخيرية المسؤولة عن توفير الرعاية الصحية للمرضى، إلا أن التبرع بالأعضاء لم يصل بعد إلى حد الكفاءة في توفير أعضاء حيوية لإنقاذ المصابين.. التبرع بالأعضاء بعد الوفاة هو عمل إنساني نبيل يحقق مبدأ التكافل الاجتماعي ونحسبه من الصدقات الجارية التي لا ينقطع أجرها عن المتوفى بإذن الله.. وحتى يتفاعل المجتمع مع أهمية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، يبقى المرضى حبيسي الأسرة، وأجهزة الغسيل، وتبقى جمعية «كلانا» مسؤولة عن أعداد كبيرة من المرضى ما يجعلها أكثر حاجة للدعم المالي الذي يساعدها في الاستمرار بأداء رسالتها الإنسانية السامية.
الاشتراك الشهري الثابت بـ 12 ريالاً من خلال إرسال رسالة على الرقم الموحد لشركات الاتصالات المحلية 5060 يحقق للجمعية مورداً مالياً دائماً، يساعدها في مواصلة رعايتها لمرضى الفشل الكلوي؛ وجهودها المُثمرة في توعية المجتمع من أسباب المرض وطرق الوقاية والعلاج والدعوة للتبرع بالأعضاء؛ وتمكنها من استيعاب مزيد من مرضى الكلى في مناطق المملكة كافة.مساهمة رجال المال والأعمال في بناء أوقاف خاصة لجمعية «كلانا» يُساعد أيضاً في تحقيق مزيد من الموارد الثابتة التي تمكن الجمعية من مواصلة برامجها الخيرية الطموحة.. أما الشركات المساهمة، والشركات العائلية الضخمة التي تسأثر بعقود المنشآت الحكومية المُقدرة بعشرات المليارات فمن المفترض أن تكون أول الداعمين لجهود جمعية «كلانا» الإنسانية المُباركة.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM