فاصلة:
((كل واحد يحول، قدر استطاعته،أحلامه الخاصة))
حكمة فرنسية
الغربة مثلها مثل أي تجربة عميقة في حياة الإنسان بإمكانها أن تثريه من الداخل والخارج وتصنع منه إنسانا مختلفا وفق ما يطمح ويمكن أن يمر الإنسان بالتجربة فيأخذ قشورها ويخرج من التجربة كما دخل إليها لا شيء تغير في حياته.
وهذا يعود إلى نظرته إلى تلك التجربة وانفتاحه إلى التغيير للأفضل ورغبته في التعلم.
في يوميات الغربة مواقف وأحداث مختلفة يقرأها كل واحد منا بطريقته الخاصة التي هي شخصيته ورؤيته، الصورة واحدة لكن عيوننا مختلفة.
ربما يكون الموقف واحد لكن الرؤى تجاهه مختلفة، وربما تكون التجربة واحدة لكن النظرة إلى زواياها مختلفة.
نحن في الغربة لنا عيون قلقة يعتريها خوف الغد والرغبة في تحقيق الحلم.
عيوننا ليست مجردة ولا نرى الأشياء كما هي، لكن قلوبنا ترى بالرغم من أن عقولنا تبقى يقظة.
كل مبتعث يضع أمام عينيه هدفه الذي ترك بلده من أجله، وربما ترك أحبابه ومضى وحيدا يتبع صوت حلمه، ولذلك يحاول اجتياز المصاعب التي تعترض طريقه والطريق مليء بالعثرات فالتجربة جديدة والبلاد جديدة والناس مختلفون.. هي نقلة كبيرة ينتقلها الإنسان بكل ما يحوي من ثقافة إلى بلد آخر.
هذه التجربة ومجموعة الخبرات تولد في داخل المبتعث طاقة من الصبر والقدرة على التحملّ، ويتعلم عبر المواقف المختلفة مهارات عدة ربما لن يتعلمها لو بقي في بلاده.
الغربة طريق طويل ربما تسيره بلا رفيق، والمغترب لا خيار لديه إلا أن يسير هذا الطريق الذي اختاره بطواعية.
لكن قدرات البشر مختلفة وكل مغترب هو إنسان بتركيبة فريدة يختلف عن أي إنسان آخر، وخلفية كل مغترب الثقافية وبما يحمل من أفكار وقيم هو حالة خاصة.
ولذلك فمهارات التعامل مع الآخرين والقدرة على التأقلم والتكيف تكون مختلفة.
عندما تسافر لوقت طويل عن بيتك وأهلك وبلدك فأنت لا تغادر المكان أبداً إنما جسدك هو الذي سافر واغترب وعارك الحياة بينما روحك باقية هنا.
قلوبنا في الغربة معلقة بأوطاننا... بأهلنا وأحبابنا... بالحلم الذي ولد طفلاً صغيراً حملناه معنا ونراه يكبر أمام أعيننا ساعة بعد ساعة ويوماً بعد يوم، ربما لأنه حلم العمر وفرحة الغد المرتقب... ربما.
nahedsb@hotmail.com