بيتر فيلر هو أحد رواد النقد البريطانيين البارزين في مجال الفن صاحب كتاب الفن والتحليل النفسي وصاحب مجلة الرسم الحديث التي كانت الأهم في عالم النقد الفني.. قالت زوجته التي هي مسؤولة عن مجلة ورقية وأخرى إلكترونية تعنى بالفن المعاصر عنه بعد وفاته وعند سؤالها عن القيمة التي أضافها لعالم الفن بأنه صار يمكن تمييز تأثيره الواضح تبعا لمستوى التلقي العالمي للفن البريطاني خاصة الفن المفاهيمي الذي كان محدودا في المتاحف. وقالت إنه وبعد وفاته أصبح الفن التشكيلي والنحت من أهم الفنون تزامنا مع فن التركيب والفيديو في الفنون المعاصرة ولا يمكن لأحد أن يقول أن الرسم قد مات.. وهو شيء قد قيل من قبل. وأنه قد أصبح مقبولا الآن أن نكون وطنيين تجاه الفني المحلي.
هذا الشمول الذي تعهده فيلر والذي يدفعني لاقتباس قولها لا يبدأ فقط من كونه اكتنز تقديرا لجميع أنواع التعبير الفنية قديمها وجديدها مرورا بحرصه على تصدير فنون بلاده.. بل أيضا بما ينطوي على هذا من التصاق بالهوية الوطنية والذي بقليل من البحث يصير واضحا أنه نوع من المعرفة التي يقف العالم أمامها في تقدير واحترام واضح لجهودها لكونها مركزة ربما.. مركزة بحيث تنقل إلى العالم رؤية عن جيل فني بأكمله في نية وإيمان واضحين. مدعومين بقليل من التطرف الوطني, البناء المنتج في هذه الحالة. الأمر الذي يجعلني أمام تطرق ملزم للكتابة وتأثيرها الجدي في صناعة الفن باعتبارها أجنحة فكرية تأخذ بالفن لخارج مداه المعنوي والمكاني أيضا.
إن النظر إلى اعتبارات من نوع كم تحتاج منا العالمية إلى الاعتبار والتقدير منا لأنفسنا ولفنوننا ولمجالات بحوثنا بجدية والتي يفترض بها أن تكون منطلق للكتابة الفنية أول بالضرورة.. أمر لن يخبرنا به أحد مالم ندرك ذلك بأنفسنا. بدلالة أننا وحتى اللحظة ورغم التطور في الفنون والرؤى حولها إلا أن غالب مصدري الفن كتابيا لدينا مازالوا يكررون, يتحدثون, ويكتبون الكتب عن الفن (المعاصر) باعتباره مجال لسرد مكرر لقديم المدارس الفنية من سريالية وتأثيرية وتجريدية..الخ. في توقف حثيث للآلية الإخراجية للعمل دون أدنى تطرق للجانب الفكري المفاهيمي لهذه المدارس الأمر الذي قد ينقل مناقشة تلك المدارس الفنية لمرحلة المعاصرة الفكرية.. هذا إن كان ولابد من ضرورة بعثها. الأمر المبالغ جدا في تأخره عن أبسط معنى للمعاصرة فضلا عن أن يكون هذا اتجاها ومنوالا يقود (كل) الجوائز والمسابقات التي ترعى على مستويات كبيرة لدينا. لذلك ومن أجل الاعتبار والتقدير والمكانة العالمية التي ليست اعتباطية لذاتها..إنما من أجل مايتحقق من ورائها من امتيازات ثقافية واجتماعية معنوية بل ووطنية أيضا علينا أن نسأل في الكتابة خصوصا..هل يعوزنا التركيز..أم يعوزنا هدف للكتابة..ومستوى من قصدية البحث؟ إن الفكر الذي يقود الكتابة هو الذي يصنع الفارق لا الكتابة بحد ذاتها. وإن كان علينا أن ندرك الخلل في أي عمل كتابي فني يقدم للمكتبة العربية والمحلية خصوصا علينا أن نعرف الثغرات التي يردمها في تلك المكتبة والتي سيتضح من خلالها أهمية وضرورة مايكتب. إن الإضافات الأكاديمية للبحوث الجادة في الإطار التعليمي المحلي تقدم موضوعات للبحث مازالت للأسف تدور في إطار موضوعات المصادر المتاحة لتلك البحوث وهو أمر سيجعل من المنتج النهائي للكتابة في ذات المنطقة الفكرية التي لا تتقدم. وليس ثمة توجيه أكاديمي يقضي بضرورة التجديد في الطرح والاعتماد جزئيا وقليلا جدا على تلك المصادر. من جهة أخرى وخارج الإطار الأكاديمي نلاحظ الحجج الواهية التي يتداولها عدد من فنانينا عن تأخر الساحة التشكيلية والتي تدور حول غياب الناقد التشكيلي في حين أن البعض من هذا القول لا يمثل في حقيقته إلا تهربا أنيقا من ضرورة التفكير.. الأمر الذي تفاقم وصولا إلى الأمل بناقد يفكر بدلا عن الفنان بعمله. ليس عن هذه الكتابة المرجوة من البعض أتحدث. خصوصا وأن النقد اليوم أفسح مجالات أخرى للكتابة موازية فكريا للعمل الفني وتتقاطع معه ضمن إطار مفاهيمي أو تأويلي لتحريك الفكر والمخيلة تجاه العمل.
أتحدث هنا عن كتابة ملهمة يقودها الفكر..تحرك باتجاهات ثقافية وفلسفية واجتماعية تعيد للفن الحقيقي حضوره في الحياة وفي الشغف وتظهر كم الاعتبار والتقدير الذي نكنه للتعبير الخلاق الذي نسميه (الفن).
deyaa@gmail.com4