يبدو أن الجدل بين الأدب والدين كان ولا يزال قائما يتجدد في كل زمان ومكان، تذكيه بطبيعة الحال بعض الأحداث، وتزيد من حدته التقلبات والظروف التي تدور في الوسط الاجتماعي، وقليل منا من يلتفت بعمق ودراية إلى الأدب وتاريخه الضارب، ولا المناخات الفكرية التي ترعرعت فيها مدارسه، ولا الإرهاصات المختلفة التي صاحبت استنبات مذاهبه وتياراته.
|
في هذا الباب ضرب (أحمد محرم) أوتاره، كأديب إسلامي غيور، ولامس بشكل عنيف مشكلة بعض رجال الدين قبل ما يربو على (ثمانين) عاما، إذ أمطرهم بوابل من أدبه الرفيع، لأنه يعرف تمام المعرفة منزلة العلماء بين الأمة، وأثرهم فيها، فهم العنصر الأول في قيادتها إلى الخير، أو إلى الشر، اتجه إليهم بهذا الخطاب الشاعري، الجامع في مضمونه بين اللوم والعتب:
|
أرى علماء الدين لا يحفظونه |
ولا يعرفون اليوم رتبته العليا |
هم اتخذوا ما أدركوا من علومه |
سبيلا إلى ما يشتهون من الدنيا |
فضاعوا، وضاع الدين ما بين أمةٍ |
همُ شرّعوا فيها الضلالة والغيّا |
إذا المفسد استغنى يريد تماديا |
أتوه بأعلام الهدى تحمل الفتيا |
ولم يكن هذا النقد اللاذع إلا لإدراكه أن هذه الفئات المبجّلة أمام الناس أمامها رسالة سامية في إصلاح الأمة، وردها إلى كتابها، بكل ما يحمله من وسطية واعتدال.
|
إذن أمام هذا التناول لا يمكن التسليم لمن يدعي، أو يزعم أن الحالة التي تعيشها بعض الأقطار في العالم العربي والإسلامي، وما يمور في وسطها من صراع وتسابق على الفتوى يعد جديدا، أو ضربا من ضروب الفوضوية، أو انفلات الزمام من أيدي العلماء المعتبرين، أو يكشف صراع القوى السياسية مع التيارات الأخرى. هذه من المشكلات الحقيقية إذ إننا دائما وأبد نصدر أحكامنا، ونطلق آراءنا دون أن نكلّف أنفسنا عناء البحث، ومراجعة التاريخ، واستكشاف ما دار فيه، إذ من شأن ذلك الاستقراء تخفيف حدّة التوتر، والانفعالات العاطفية، والأحكام الجائرة على أي مرحلة من مراحل تاريخنا، فالإساءة إلى رجالاته، أو رموزه إساءة في بعض الأحيان إلى حقبة من حقب التاريخ، وانتقاص من حيث لا نشعر من إنجازاته.
|
في الجانب الآخر، ماذا قال علماء الدين، وحماة الفضيلة، وسدنة العقيدة عن الأدب، وماذا كان دورهم تجاه مذاهبه؟ وما الأبواب التي ولجوا منها، وهم يضعونه على السفود؟. يبدو أن أكبر باب ولجوا من مصراعيه، وبخاصة المعاصرين منهم إنما كان من مقولات (جبران): (أنا متطرف حتى الجنون.... أميل إلى الهدم ميلي إلى البناء... في قلبي كرهٌ لما يقدّسه الناس، وحبٌ لما يأبونه، ولو كان بإمكاني استئصال عوائد البشر، وعقائدهم، وتقاليدهم لما ترددت دقيقة...)، من هذا الباب، وانسياقا خلف هذا الفكر، والرؤية الفنية كان لهذه الفئة وقفة، أرجو أن يتاح لنا طرحها ومعالجتها في إطلالة لاحقة.
|
|