يا أبا سهيل، أيها الأخ المغادر عنا والمقيم أبداً بيننا، أتمنى أن أكتب شيئاً يدخل السرور إلى قلبك في عالمك الجديد السرمدي فتبتسم وتقول شكراً يا جاسر لقد آنست وحدتي.
|
تلك الابتسامة المطمئنة التي كنت تبثها في عالمك القديم، كم نحن هنا مشتاقون إلى رؤيتها مرة أخرى ولو في عالم الأحلام والرؤى الجميل. أتمنى أن تبلغك -حيث أنت- مرتاحا -إن شاء الله- أشواق من افتقدوك فحزنوا وعبروا عن حزنهم بالترحم عليك وطلب المغفرة والقبول الحسن لك عند من خلقك لطيفاً كما كنت، وامتحنك في حياتك فنجحت بامتياز، ثم استعادك تدريجياً وعلى مراحل فعدت إليه محموداً إن شاء الله مثلما بدأت وكنت ثم بنت.
|
أيها الأخ الراحل المقيم، كنت تملك باقة متعددة الألوان من عوالم الجمال الروحي والمواهب، وكان أشدها تأثيراً في الناس تلك القدرة الاستيعابية العجيبة للآخرين حتى ليظن كل من قابلك وصافحك أنه دخل في دائرة أصدقائك الأثيرين. مواهبك وقدراتك كانت كثيرة وفذة كلها فاستمتعت وأمتعتنا بها في حياتك الحافلة، وتفردت كرائد لا يكذب أهله بمواقفك الهجومية القاطعة حين تتطلب الأمور استبدال القديم البالي بالجديد القشيب، ومعالجة الأقفال الصدئة بمفاتيح الحداثة.
|
كنت تستطيع ببساطة إنارة العقول المظلمة بأفكارك النيرة وإطفاء نيران التعصب والإقصاء بينابيع العقلانية والحكمة، واستيعاب المخالف بروح المشفق على أهله ووطنه. لم تقطع الحبال مع أصحاب الرؤوس الهوجاء فوصلتها ولم تتنكر لهم فجادلتهم بالتي هي أحسن، وعرضت عليهم الإخاء وذكرتهم بأن يتقوا الله في خصامهم. كنت معهم كأنك القائل:
|
وإن الذي بيني وبين بني أبي |
وبين بني عمي لمختلف جداً |
إذا قطعوا حبلي وصلت حبالهم |
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً |
وإن نذروا لي ريح شؤم تمر بي |
نذرت لهم ريحاً تمر بهم سعداً |
أتمنى لك حيث أنت الآن أن تفوز بما كنت في قصائدك وابتهالاتك تصبو إليه من رحمة الله وغفرانه، وأرجو صلاح ذريتك من بعدك ليملأوا مكانك أو بعض مكانك الذي تركت.
|
ويا أيها الذي كان أخاً لمن لا أخاً له، عزاؤنا فيك أننا كلنا ذلك المخلوق الذي قيل فيه:
|
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه |
يحور رماداً بعد إذ هو ساطع |
ولقد كنت شهاباً لامعاً عاد إلى مصدره لكن أنواره ما زالت تشع في الآفاق وتنير العقول فليرحمنا ويرحمك الله أرحم الراحمين.
|
|