أرضنا ليست بعاقر وستنجب لنا مثل غازي القصيبي.. أرضنا (ولاَّدة) خرج من بطحائها في تاريخها المعاصر الشعراء والسفراء والوزراء لكن غازي استثناء لأنه جمع الشعر والوزارة والإدارة والسفارة وغازي ولد في يده مشعل استفز الآخرين من أجل الأفضل وجرهم إلى ساحات التحدى والإنتاج.. جاء غازي لهذه الدنيا ليقول كل شيء قال كل ما في خاطرة وباله قال شاعراً وإدارة وزاد بالقول.. وبالمقابل هناك شخصيات لا تكتب البكائية لكنها تبكي صامته.
|
معالي الوزير د. عبدالعزيز الخويطر كان بكاؤه صامتاً على صفحات جريدة الجزيرة يوم الثلاثاء 7 رمضان فقال: (في الوقت الذي كنا نتطلع لشفائك فوجئنا بوفاتك.. كان المفاجأة مذهلة ألجم معها اللسان واضطرب الجنان, وذهلت مع الأذهان، وشلّت قوى التفكير، وبهتت العقول. الحقيقة أن غازي انتقل إلى رحمة الله جاءت صاعقة أجل انتقل غازي إلى رحمه الله وغفرانه). انتهى.
|
عندما يبكي وزير على وزير فلأن الخويطر والقصيبي (يرحمه الله) هما ذاكرة الوزارة السعودية لأن الخويطر متعه الله بالصحة والعافية هو وزير لمعظم الوزارات السعودية في حقب مختلفة ولأن القصيبي فارس الوزراء حارب بسلاح الإدارة والوطنية كل الأنماط التقليدية والركود والرتابة.
|
بكائية الخويطر في جريدة الجزيرة تزامن معها قصيدة الشاعر حمد العسعوس في قصيدته الرثائية بغازي (لا تدفنوه) الخميس 9 رمضان عادتنا إلى زمن مالك بن الريب الذى توفي (60) للهجرة 680م الشاعر الذي كان متشرداً ثم لحق بسعيد بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما فغزا معه خراسان في إيران وتوفي هناك وكتب أجمل القصائد منها قصيدة (الغضى) وهو يصف آخر أيامه وموته وطريقه دفنه:
|
ألا ليت شعري هل ابتين ليلة |
بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا |
هي تداعيات أحدثها رحيل غازي القصيبي والبكاء الصامت للوزير عبدالعزيز الخويطر وقصيدة الشاعر حمد العسعوس (لا تدفنوه) والعودة إلى ذلك التاريخ لمالك بن الريب الذي عاش في صحراء ورمال نجد التي عرفت معارك الردة زمن الخليفة الصادق أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما حارب مدّعي النبوة والمرتدين عن دين الله ليفتح الأبواب أمام الجيوش الإسلامية لكسر حدود الجزيرة العربية والانتقال إلى بلاد الجبال إيران وأفغانستان والباكستان وبلاد الشام.. يقول الشاعر العسعوس:
|
هل ما أرى قمراً بالغيم ندفنه |
أم بحر فكر وهذا الدفن إبحار |
ترفقوا برفات كنت أحسبه |
بدراً فإن رفات البدر أنوار |
يا حاملي الترب مهلاً إنكم أبداً |
لن تدفنوا البحر إن البحر موار |
هذا الذي بين أيديكم جنازته |
مجاهد مخلص حر ومغوار |
يا أيها القبر كان للضيف متكأً |
فضيفك اليوم مصباح ومسبار |
وضيفك اليوم مجبول على ثقة |
في برنا جمل وفي البحر بحار |
هذا هو الخيط الرفيع الذي قد نلمسه ما بين غازي الذي مات ورحل وقد كتب كل شيء عن حياته؛ كتب الأقصوصة والقصة والراوية والشعر، سبعون سنة من الكتابة والترحال بين المناصب من الجامعة إلى سكة الحديد ومن الوزارة إلى السفارة ومن الصحفي إلى الراصد الإعلامي، والخويطر يلازمه بالوزارة والإدارة والكتابة هذا هو الخيط الرفيع بين الوزيرين.
|
|