Al Jazirah NewsPaper Monday  23/08/2010 G Issue 13843
الأثنين 13 رمضان 1431   العدد  13843
 

هذا الجهبذ الفذّ..!!؟
موسى بن محمد السليم

 

رحم الله قدوة الأدباء والشعراء..

رحم الله رمز الإخلاص والوطنية والعطاء..

رحم الله حبيبنا وأستاذنا الدكتور غازي القصيبي صاحب الفعال الغراء..

لقد صدق من قال عنه إنه الاستثناء..

وسيصبح محبوه وعارفو فضله من المفكرين والأدباء والرواة والشعراء في حيرة من أمرهم وهم ينعون رحيله ويكتبون تأبينه، ويعددون خصاله، ويمجدون عطاءه، ويتحدثون عن عمق وطنيته وصادق إخلاصه، وعن كريم أخلاقه وعظيم صفاته.

ولن يستطيع محبوه أن يوفوه حق المحبة والثناء.. فمهما كان الشعر تبراً والنثر دراً، ستقصر أبيات الشعر وتعجز عبارات النثر عن التعبير الحق بما يستحق عن مشاعر زملائه من الأكاديميين والوزراء الأجلاء، وما تكنه نفوس تلاميذه ومرؤوسيه ومواطنيه من محبة ووفاء، وما في أعماق عاشقي شعره وفنه، والمستنيرين بإبداعه وفكره، والمقتدين بوطنيته وإخلاصه في الإنجاز والبناء.

رحم الله أبا سهيل صاحب العطاء الفضيل والإبداع الجميل، فقد عمق في نفوس أجيالنا فضيلة محبة الوطن والإخلاص له بصادق مشاعره وسمو تعبيره، وأنار دربهم بضياء فكره وبعد نظره، وعلمهم التضحية والنزاهة، بعلو همته وعزة نفسه طيلة عمره كيف لا وهو القائل:

ويا بلاداً نذرت العمر.. زهرته

لعزها.. دمت.. إني حان ابحاري

تركت بين رمال البيد أغنيتي..

وعند شاطئك المسحور أسماري

إن ساءلوك فقولي لم أبع قلمي

ولم أدنس بسوق الزيف أفكاري

وإن مضيت فقولي لم يكن بطلاً

وكان طفلي.. ومحبوبي وقيثاري

بلى لقد كان (رحمه الله) بطلاً، وإن نفى عن نفسه هذه الصفة العظيمة تواضعاً منه، وسيبقى قدوة تحتذى في وطنيته وعروبته وسلامة عقيدته، ومثلاً أعلى في إخلاصه وعطائه وصدق انتمائه، وسيبقى رمزاً من رموز الإنسانية في محبة الخير ومساعدة الغير ودفع الضير.

وكان (طيب الله ثراه) رغم كل مهامه وارتباطاته الرسمية الجسيمة واهتماماته الفكرية والاجتماعية العظيمة يولي أنجاله وأبناء أقاربه وقريباته الكثير من اهتماماته التربوية وأتذكر حين كانت دراسة إبنيه العزيزين (سهيل وفارس) وابنته الكريمة (يارا) في مدارس الرياض (وفقهم الله وحقق ما كان يأمله فيهم من خير وصلاح وحسن عطاء) أنه كان (رحمه الله) من أكثر الآباء حرصاً وتعاوناً وتواصلاً مع الهيئة الإدارية والتعليمية في المدارس وكان يهتم باللقاء الدوري بين المعلمين والآباء في كل فصل دراسي، وحضور الحفل المدرسي السنوي وكان يشجع نجليه وابنته على المشاركة في الأنشطة اللاصفية ويحث الإدارة على دوام الاهتمام بها باعتبارها ركيزة أساسية في المسيرة التعليمية والتربوية وإعداد الأجيال لمعترك الحياة، ومن أسمى مواقفه التربوية، كما ذكر لي أحد الزملاء المتعاقدين أنه استوقفه رحمه الله وهو يثني على التفوق العلمي لابنه أثناء أحد زيارات معاليه للمدارس قائلاً : طمئني أولاً عن سلوكه الشخصي مع مدرسيه وزملائه، مؤكداً على أن الأخلاق الفاضلة عنوان التربية الصالحة وأساس الحياة المباركة..

رحم الله صاحب المواقف المؤمنة الصادقة والانجازات المتميزة الشامخة فكراً وإبداعاً ووطنية والتي امتدت (45) عاماً بكل نزاهة يد ونظافة قلب، رحم الله أستاذ الأجيال غازي القصيبي الذي ردد معه شباب وطنه أجمل وأعمق القصائد في محبته ووحدة الوطن بكل اعتزاز وحب.

نعم نحن الحجاز ونحن نجد

هنا مجد لنا وهناك مجد..

ونحن جزيرة العرب افتداها

ويفديها غطارفة وأسد

رحم الله من أعطى للرواية الأدبية السعودية مكانتها المرموقة بين الروايات العالمية، منذ أن استضاف قراءه معه في (شقة الحرية).

رحم الله من كان (حسان زمانه) فكانت أبيات قصائده وكلمات مقالته سياطاً لاذعة وسهاما رادعة في وجوه أعداء وطنه وأمته ولن ينسى تاريخ الصحافة السعودية مقالاته بعنوان (في عين العاصفة) التي كان يكتبها في صحيفة الشرق الأوسط إبان كارثة (غزو العراق للكويت) والتي كانت معبرة حقا عن الوطنية السعودية الصامدة والمشاعر القومية الصادقة، وكانت تفضح مؤامرات الأعداء السافلة وخيانات المنافقين الحاقدة، كما كانت تلك المقالات الرائعة تقض مضاجع العداة الغادرين بقوتها ومصداقيتها، وتوقظ مشاعر الشباب النابهين بأفكارها التوعوية المؤثرة وكلمتها الحماسية المعبرة.

نعم، إنها لكثيرة وعظيمة تلك المواقف البناءة والانجازات المعطاءة لفقيد المملكة وفقيد الإسلام والعروبة وفقيد الدبلوماسية والثقافية؛ لأنها نابعة من عقيدة إسلامية صافية، وثقافة علمية واجتماعية شاملة، ومحبة وطنية فائقة، وإخلاص وولاء صادق لقيادتها الرشيدة السامية.

إنه حقاً استثناء، قل أن يجود الزمن بمثله إلا أن يشاء الله؛ فقد جمع بفكره المبدع وروحه المخلصة بين مبادرات صناعية واجتماعية على حد سواء لا تزال ذات أهمية وطنية فاعلة ونافعة في الازدهار والعطاء لأبناء وبنات أمته، حيث وجد لها بعد توفيق الله الثقة والمؤازرة الأكيدة من القيادة السعودية السامية الرشيدة، وليس أدل على ذلك من جهوده العلمية والتنظيمية والإدارية في بناء شركة سابك الصناعية التي اعتبرها (رحمه الله) ابنته الثانية بعد ابنته الحقيقية، ثم حرصه الإسلامي الإنساني ودعمه المعنوي والمادي وإسهامه الاجتماعي والعملي في إنشاء جمعية الأطفال المعوقين الخيرية.

حقاً، ستكون أبيات الشعر وعبارات النثر قاصرة عن الوفاء بحق هذا الجهبذ الفذ المعطاء في كل الفنون التي طرقها والمهام التي أنجزها، وسيبقى بإذن الله في تاريخ وذاكرة الوطن منهل علم ومعرفة وخبرة لشباب الوطن في وفائه وصدقة وإخلاصه وتنظيمه للوقت واستغلاله في كل ما يسمو ببلاده وأمته، مما جعله بعد توفيق الله يتفوق في الجمع بين التميز الاستثنائي في أداء مهامه ومسؤولياته، والتميز الاستثنائي في انجازاته وإبداعاته، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

عضو مجلس الشورى

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد