من تفضّل عليه الخالق جلَّ وعلا بعمرة رمضانية فإنه لا بد أن يستشعر روحانية المكان وعظمة الزمان، حيث إن أجواء مكة المكرمة في شهر رمضان المبارك هي حقاً أجواء لا يُعلى عليها، ولا يفوقها جمال أي مكان في كرتنا الأرضية، وهذه أحاسيس يستشعرها كل من ذاق حلاوة الإسلام في قلبه، بل في كل حواسه.
فمشهد الأفواج البشرية التي تكاثرت في عددها وتنوَّعت في جنسياتها ولغاتها وألسنتها، تذكِّر بيوم المحشر الذي ينفر إليه الناس كافة مختلفين متساوين أمام ربهم ومالكهم، وهو منظر تقشعر له الأبدان، وتشعر الإنسان بضآلة همومه وتفاصيل حياته التي تصغر أمام هذا الطوفان البشري الهائل الذي أتى ليجدد علاقته مع ربه، تلك الصلة التي قد تشوبها شوائب الدنيا وتعكر صفوها سلسلة ابتلاءاتها.
وعمرة هذا الرمضان، قد يكون خفّف من جمالها وإن زاد في أجرها بإذن الله، كونها في شهر أغسطس الذي هو أشد شهور السنة حراً وأكثرها رطوبة، لا سيما مع هذه التكتلات البشرية المتعاظمة في الأعوام الأخيرة، لذا تمنى المعتمرون والمعتمرات أن تكتمل منظومة الحسن لهذه البقعة المباركة التي أنفقت عليها بلادنا كل غال ونفيس بشكل لا ينكره منكر أو يجحده جاحد، وذلك بأن يعجل بتكييف جميع أجزاء الحرم، كي يحصل الخشوع التام أثناء الطواف والسعي والصلاة والقيام وبقية العبادات، حيث إن منظر رواد الحرم وهم يتلمسون نسمة هواء توقف خرير العرق المنساب من أجسادهم، عن طريق التهوية بالإحرامات للرجال أو الحجاب والغطاء للنساء، هو في الواقع منظر يخفّف الخشوع ويقلِّل الروحانية.
وهناك من يتنقَّل من مكان إلى آخر بعد كل تسليمة، وذلك بحثاً عن نسمة هواء باردة أو حتى غير باردة، نسأل الله أن ينقذنا من فيح جهنم، إضافة لما يحمله هذا الحر الشديد من توتر بين بعض المعتمرين والمعتمرات لا سيما النساء وبعض الضعفاء والمرضى الذين قد تساهم مثل هذه الأجواء الساخنة في مضاعفة آلامهم.
لذا فالجميع ينتظر من حكومة بلاد الخير أن تضيف خدمة التكييف إلى بقية الخدمات الكبرى التي لم تقصر في أدائها: حيث التوسعات العظيمة والبناء الفخم والإنارة القوية وخدمة السقيا وغيرها من الخدمات العديدة الأخرى، لأن نقص هذه الخدمة المهمة قد يسبب خللاً في الرؤية والتقدير لبقية الخدمات لدى البعض، وخصوصاً أن أجواء مكة المكرمة في معظم شهور السنة إن لم يكن كلها هي قيظ فائر، لا سيما وقد تغيَّرت الأوضاع بعد فتح تأشيرات العمرة معظم شهور السنة، وازداد عدد أفواج المعتمرين والمعتمرات عاماً بعد عام.
g.al.alshaikh12@gmail.com