Al Jazirah NewsPaper Monday  23/08/2010 G Issue 13843
الأثنين 13 رمضان 1431   العدد  13843
 

أيام في عجيبة العجائب
د. عبد الله الصالح العثيمين

 

في مقالتي، يوم الاثنين الماضين كان حديثي مختصراً عن زيارتي أياماً مع أسرتي لصلالة الظفارية العمانية العربية الجميلة بما عليها والأجمل بمن عليها من أهلها ذوي السجايا الحميدة والأخلاق

النبيلة والتعامل اللطيف, وإني لأعلم أن ذلك الحديث المختصر لم يستوف ما كان يمكن أن يقال، إشادة بما رأيت أنه مستحق للإشادة به، أو ما يمكن أن يشار إليه من أمور يرجو المحبون لذلك الوطن من أوطان أمتنا أن تتحقق في ميدان البنية الأساسية للسياحة زيادة على ما هو متحقق منها، لكن حيز المقالة لم يكن ليتيح الاسترسال في الحديث. أما حديثي اليوم فهو -باختصار أيضاً- عن شيء مما رأيته خلال أيام كانت مكملة للأيام التي قضيتها مع أسرتي في صلالة، وكانت تلك الأيام المكملة لما قبلها هي التي تمَّت في عجيبة العجائب.. مدينة دبي المتألقة بما يرضي مختلف الأذواق الحافلة بكل ما يبحث عنه المرء من إنتاج السلع والبضائع العالمية. كان مما قالته الشاعرة عائشة الباعونية:

نزه الطرف في دمشق ففيها

كل ما تشتهي وما تختار

هي في الأرض جنة فتأمل

كيف تجري من تحتها الأنهار

وتناغيك بينها صادحات

صمتت عند نطقها الأوتار

وكانت تلك الشاعرة قد أصابت كبد الحقيقة وروعة دمشق ظلت ساحرة بحيث أوحت إلى أمير الشعراء، أحمد شوقي أن يقول:

آمنت بالله - واستثنيت جنته-

دمشق روح وجنات وريحان

قال الرفاق وقد هبت خمائلها

الأرض دار لها الفيحاء بستان

جرى وصفق يلقانا بها بردى

كما تلقاك دون الخلد رضوان

وإذا كانت الطبيعة الساحرة لدمشق هي التي أوحت بما قيل عنها حينذاك فإن جاذبية دبي.. عجيبة العجائب.. من نوع آخر.

إن جاذبيتها الفتانة نتاج عمل إنسان مكنته رؤيته المبدعة أن يكون منها ما أصبحت عليه، عمراناً وتنظيماً.

كثيراً ما تحدث المتحدثون عن عجائب الدنيا السبع.. وهذه العجائب السبع جديرة بالإعجاب بدون شك، وبخاصة إذا روعي عامل الزمن الذي أنجزها الإنسان فيه وكلمة عجيب، أو عجيبة -والجمع عجائب- من الكلمات التي تتردد على الألسنة، أو في الكتابة، حاملة معنى باعثاً على الإعجاب بما تحقق أو شوهد من إنجاز لكنها قد ترمز إلى معنى غير محبب إلى النفوس، ومن هذا ما أشار إليه شاعر قديم بقوله:

والليالي من الزمان حبالى

مثقلات يلدن كل عجيب

وما أشار إليه بتعبير أوضح الأمير الشاعر، خالد الفيصل، بقوله:

يا زمان العجايب وش بقى ما ظهر

كلما قلت هانت جد علم جديد

على أن ما قصدته في وصفي مدينة دبي بعجيبة العجائب هو المعنى الأول الباعث على الإعجاب بما تحقق من إنجاز في تلك المدينة، التي يتصف أهلها -وفي طليعتهم الموسرون- بدماثة الأخلاق وحب الخير.

مطار كل مدينة باب رئيس من أبوابها، أو هو بمثابة العنوان للكتاب، فكما يدل العنوان-في كثير من الأحيان- على مضمون الكتاب يدل المطار على ما في داخل المدينة بدرجة كبيرة من حيث القابلية للتنظيم وبراعة التنفيذ. ومطار دبي لا يضاهى في دول مجلس التعاون الخليجي، عظمة بنية أساسية وتنظيماً وتيسيراً للنازلين عبره أو المارين به إلى مطارات دول أخرى، ومطار بمثل تلك العظمة وذلك التنظيم وهذا التيسير لا أدري ماذا كانت تكلفة تخطيطه وبنائه حتى اصبح على ما أصبح عليه. ولو فرض أن محاولة بذلت لتقليده -وهذا مجرد افتراض- لكان من المحتمل جداً أن تلك ستكون مضاعفة في بلد يعلم الكثيرون أن المشروعات الكبيرة فيه تكلف أضعاف تكلفتها في بلدان أخرى مشابهة لها في أوضاعها الاقتصادية.

والمطار جانب من جوانب المواصلات والإشارة إليه تقود إلى الإشارة إلى جانب آخر من تلك الجوانب في دبي.. عجيبة العجائب.. في هذه المدينة المتألقة تقدماً عمرانياً وتنظيمياً تمكنت الإدارة القيادية -أمام مشكلة ازدحام الطرق داخلها- من إنشاء مترو دبي، وهذا إنجاز عظيم من إنجازات المسؤولين هناك، فقد يسر للكثيرين من أهلها وسواهم من المقيمين فيها، وللزائرين لها، التنقل بين مناطقها المختلفة بيسر وراحة واطمئنان وبأسعار مناسبة جدا، وتنظيم الدخول إلى ذلك المترو والجلوس فيه والخروج منه، غاية في الدقة والحسن، وربما وجد من المواطنين من لديه أمل في أن يؤخذ درس مفيد من ذلك المشروع العظيم المنجز في دبي، ولو فرض أنه فكر في أخذ ذلك الدرس المفيد فكم سيستغرق من الوقت دراسة وتنفيذاً؟ وكم ستكون تكلفته مقارنة بذلك المترو؟ المجربون بالمشاهدة لتنفيذ مشروعات وطننا، وأهل الذكر بتكاليف تلك المشروعات، هم من يمكن أن يجيبوا عن السؤالين المطروحين. لكن ما فاح من ريحة تكاليف مشروعات أقيمت عليه فيه كافية للحر، وإن تكن قابلة للتأويلات المختلفة.

ومما يلفت النظر وفرة المساكن المناسبة للاستئجار في دبي، وكون إيجاراتها مناسبة. فإيجار شقة جميلة جديدة البناء تحظى بخدمة فندقية تامة، ومكونة من ثلاث غرف نوم، وثلاث دورات مياه، ومجلس فسيح، ومطبخ كامل الأدوات، وغسالة ملابس.. لا يتجاوز ستمائة درهم يومياً، علماً بأن في العمارة مسبحاً واسعاً مجاني الاستعمال. كم يبلغ إيجار شقة مثل تلك الشقة في أي منطقة من مناطق وطننا العزيز.. المملكة.. مع عدم وجود مثل بيئة مدينة دبي بمجمعات أسواقها وأمكنة التسلية فيها؟ ومن المعلوم لدى الكثيرين ما يوجد في دبي من مجمعات أسواق يندر وجود أشباهها في أي قطر عربي وإضافة إلى تنوع تلك المجمعات يوجد الكثير الكثير في تلك المدينة من الأمكنة المشتملة على ما يسلي زائريها، لا سيما الأطفال وينمي ثقافتهم ومعارفهم، بل إن كل ما هو موجود في بلاد العالم، شرقه وغربه جنوبه وشماله، موجود له نظائر تشهد لمن أقامها بالمهارة والإبداع أفليس من الاعتراف بالواقع وصدق الشهادة للإنجازات أن توصف مدينة دبي بأنها عجيبة العجائب؟

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد