استمتعت جداً بقراءة ما جاد به يراع الأخ الكريم الدكتور محمد بن صالح السحيباني في عدد (الجزيرة) الغراء الصادر يوم الأربعاء 11 رجب 1431ه بعنوان (الشيخ محمد النويصر بعد عام من رحيله)، وكان مقالاً ضافياً ومتميزاً انفرد فيه كاتبه الفاضل بعرض معلومات ثمينة ورؤى دقيقة عن الفقيد (الاستثناء) معالي الشيخ محمد بن عبدالله النويصر -رحمه الله- لا يدركها كثيرون ممن عاصروه أو سمعوا عنه، فقد شغل زمناً طويلاً منصب رئاسة الديوان الملكي أصالة، ورئاسة ديوان رئاسة مجلس الوزراء تكليفاً، وحمل الأعباء الثقيلة لكليهما بحماسٍ وجدارةٍ ولذا جاز نعته ب(صاحب الولايتين)!.
وفي ذات السياق، أورد الكاتب الفاضل العديد من المواقف والخصال الحميدة التي عرف بها أبو عبدالرحمن واقترنت باسمه ذكراً وإعجاباً عبر مسيرته الإنسانية والإدارية الطويلة، بدءاً بنشأته في مكة المكرمة، حيث عاش فترةً من عصامية التكوين وشظف العيش وتواضع المورد، ثم انتقل للعمل في إحدى الدوائر الحكومية في حائل، موظفاً إدارياً، قبل أن يعود إلى مكة المكرمة ليعمل في إدارة البرقيات التابعة لمكتب نائب الملك في الحجاز آنذاك، (الأمير) فيصل بن عبدالعزيز آل سعود طيب الله ثراهما.
ثم تدرج معاليه منذئذٍ في المناصب والمسؤوليات ضمن المنظومة الإدارية لسدة الحكم، وكانت كل محطة يرسو فيها تشهد له بجدارة الأداء وصدق الالتزام ونبل الخلق تعاملاً وتقديراً، وكان في كل ما أوكل إليه من مهام نعم القيادي والإداري، ونعم المسؤول والإنسان معاً، ومن خلال هاتين الولايتين عرفه الناس بوابة عبور لقوافل الخير والبذل في سبيله، وشهدوا له بالغيرة والحرص، في السر والعلن، على تلمس سبل البرّ والملتمسون له من ذوي الحاجة، مساعدة لهم على تخفيف ضائقةٍ، أو قهر مرضٍ، أو إزالةٍ مظلمة.
ولقد عرفت سماعاً عن مناقب ومكارم أبي عبدالرحمن قبل أن التقي به مباشرة في مطلع عام 1396هـ في مكتبه بمدينة الرياض لتربطني به منذ ذلك الحين علاقة عمل اعتز بها كثيراً، وكنت قبل ذلك أعمل مستشاراً ومحاضراً بمعهد الإدارة العامة حتى نهاية عام 1395هـ، ثم كلفت في غرة محرم من عام 1396هـ بأمر كريم للعمل مستشاراً إدارياً بديوان رئاسة مجلس الوزراء إبان ولاية معاليه رئيساً له.
وأذكر أنني زرته في مكتبه لأتعرف على معالم وملامح مهمتي الجديدة، ولأتلقى منه النصح والتوجيه حيال ذلك، فأسمعني من كلمات الأبوة الحانية والحكمة الصائبة قدراً أذاب جليد الخوف والارتباك في خاطري، إذ لم أغش الديوان قبل ذلك الحين عدا مراتٍ معدودات ولفترات قصيرة جداً حتمتها طبيعة عملي بمعهد الإدارة العامة يوم كنتب أعمل سكرتيراً للجنة اللعليا للإصلاح الإداري، إلى جانب مهامي الأخرى في المعهد.
كانت مهمتي الجديدة في ديوان الرئاسة تتطلب القيام بجهود إدارية استشارية معينة في محاولة لتطوير آلية الأداء فيه، واحتواء بعض الرواسب والممارسات التي ينكرها (الفقه) الإداري الحديث وآلياته.
(وللحديث صلة)،،،