Al Jazirah NewsPaper Friday  20/08/2010 G Issue 13840
الجمعة 10 رمضان 1431   العدد  13840
 
شذرات اقتصادية
حياة في الإدارة
د. عبدالعزيز إسماعيل داغستاني *

 

وفقت جريدة «الجزيرة» الغراء كثيراً في تسمية د. غازي عبدالرحمن القصيبي بالاستثناء، وأصدرت بذلك كتاباً وثائقياً يعني الكثير لمحبيه، وهم كثر. وأحسب أن وراء التسمية وإصدار الكتاب عزيزنا أبا بشار، خالد حمد المالك، وهو الذي عرف عنه حبه الشديد وتقديره للدكتور غازي، يرحمه الله، فهو استثناء بكل ما تعنيه هذه الكلمة. وأعرف ذلك لأنني كثيراً ما كتبت لصالح التخصص، مؤكداً أن نجاح الدول الصناعية كان لاحترامها للتخصص، والبعد عن أنموذج «بتاع كله» الذي انتشر في عالمنا العربي، وأخرج ثقافة «إنت العارف يا طويل العمر».

وغازي استثناء حقيقي، نقولها وهو الآن بين يدي الله عز وجل، لا يقرأ أو يسمع ما نكتب، ولكننا نذكره بما نراه حقاً، ونقول عنه بما عرفناه عنه. لقد حباه الله عز وجل موهبة استطاع أن يستثمرها بذكائه وواسع أفقه، كوّن خبرة إدارية عالية، رغم أنه غير متخصص في الإدارة، وسجل خبرته في كتابه «حياة في الإدارة». وهو كتاب مفيد لكل من أراد أن يستعين برأي صادق في شئون الإدارة. لقد نجح غازي، يرحمه الله، في إدارة الأعمال التي كلف بها، والكمال لله وحده. عرفت غازي أول مرة عندما درسني مادة مبادئ القانون بالسنه الأولى بكلية التجارة بجامعة الرياض (الملك سعود حالياً)، وكان في ذلك الوقت يحمل درجة الماجستير. وعرفته بعد ذلك بعد أن حصل على درجة الدكتوراه وكان عضو هيئة تدريس بالكلية، وقد عينت في ذلك العام معيداً بقسم الاقتصاد، ثم أصبح عميداً للكلية خلفاً للأستاذ حسين السيد، يرحمهما الله. وأذكر أن د. غازي كان رئيساً للكنترول في الكلية، والكنترول لجنة تراقب الامتحانات. وقد كتب قصيدة بخط يده عن لجنة الكنترول، وكنت منهم. وما زلت أحتفظ بتلك الورقة وعليها قصيدة الكنترول بخط يده. ولا يملك أحد غيري هذا الكنز الثمين. وهي من بين أوراقي القديمة، سأبحث عنها، وأقدمها هدية لجريدة «الجزيرة» التي أكن لها كل تقدير واحترام. وعملت مع د. غازي عندما كلف بوزارة الصحة، وكنت معاراً من جامعة الملك سعود. وعملت مشرفاً على إدارة الرقابة والتحقيق والتفتيش (إدارة المتابعة فيما بعد). وتعلمت منه الكثير، وقد فوضني صلاحياته في إدارة تلك الإدارة التي كانت تمثل عصب التغيير في الوزارة. ووافق على إنشاء «الخط الساخن» الذي كان يتلقى شكاوى المواطنين على مدار الساعة، ليتم التحقيق فيها، وإصدار القرارات التي كانت تكفل تصحيح أوضاع الوزارة والحرص على تقديم أفضل الخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين على حد سواء.

كان د. غازي يفوّض صلاحياته ولا يحب المركزية في عمله، وهو نهج إداري ناجح، إذ كان يكتفي بمراجعة أعمال الوزارة مع مديري الإدارات ويحثهم على الإخلاص في العمل، ورعاية مصالح الناس. كان يمثل ولي الأمر، وكان أميناً في عمله، مخلصاً صادقاً وفياً.

والآن، وقد غاب هذا الاستثناء، وهو الآن بين يدي الله عزوجل، فإننا نسأل الله أن يسكنه جناته الوارفة، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وأن يجبرنا جميعاً في هذا المصاب الجلل. إننا نذكره بالخير ونسأل الله أن يكتب ما نشهده في ميزان حسناته.

* رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد