البشر ثروة هذا الأصل فالبشر هم من يعمرون الأرض ودونهم تبقى الثروات لا فائدة منها ولكن إذا فشل النظام الاقتصادي والاجتماعي في استثمار هذه الثروة فإنها تتحول إلى عالة متعددة المشاكل، ونحن في المملكة وللأسف الشديد لدينا ثروة بشرية شبابية هائلة إلا أنها مفزعتنا بسبب ارتفاع نسبة البطالة في بلادنا (حوالي 10%) وهي بطالة تضاهي البطالة في الغرب أثناء الأزمة المالية الحالية.
بطالتنا هيكلية كما يعرف الجميع ومن أهم أسبابها العيب الاجتماعي فلدينا الكثير من الفرص للعمل الذاتي من خلال تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولدينا الكثير من الفرص للعمل المهني ولكننا نرفض ذلك بسبب قانون العيب ما جعل هذه الفرص من حظ الوافدين الذين نكن لهم كل الاحترام لمشاركتهم لنا في تنمية بلادنا.
بكل تأكيد أبناء البلاد أولى بخيرها فالأقربون والأقربون ولكن يعاني أبناء البلاد البطالة وينعم الأقربون بالفرص الاستثمارية والوظائف فهذا أمر شاذ وإن حصل في أي بلد كان ولكن هذا واقعنا فنحن نحظى بموارد بشرية صرفنا المليارات لتأهيلها داخل بلادنا وخارجها ولكننا نعجز عن توظيفها في مسيرة التنمية لتتحول إلى عالة تفرز لنا الكثير والكثير من المشاكل التي تحتاج هي الأخرى لخطط ومصاريف باهظة لمعالجتها.
د. حسناء القنيعير في مقالة لها في صحيفة الرياض تعتب على الهيئة العامة للاستثمار لأنها وبحسب تقاريرها استقطبت استثمارات أجنبية تصل إلى 143 ملياراً أسهمت في إيجاد 335 ألف وظيفة ، وصلت نسبة السعودة فيها إلى 27% ما يعني أن نصيب الأجانب من تلك الوظائف 73% أي أن الهيئة وفرت لهم 250 ألف وظيفة، وهي بذلك تفزعنا من زيادة الاستثمارات في بلادنا لأنها ستوفر فرص للوافدين الذين سيزاحموننا باستخدام خدمات البنية التحتية ويشفطون أموالنا ويحولونها للخارج فماذا لو علمت أن نسبة السعودة في الاستثمارات المحلية نصف هذه النسبة تقريبا، أعتقد أنها ستطالب بإيقاف النمو بالوظائف بالبلاد !!
جهود رجال الأعمال بالاستثمار المحلي مشكورة ومقدرة وجهود الهيئة في استقطاب الاستثمارات الأجنبية مشكورة ومقدرة أيضا وجهود الدولة وصناديق التمويل ودعم العمالة الوطنية مشكورة ومقدرة هي الأخرى ولكن المشكلة الرئيسية لازالت قائمة بطالة هيكلية لأسباب ثقافية واجتماعية ولا نريد أن نعترف بذلك لنتخذ خطوات جادة في معالجة هذه المشكلة المعيقة التي جعلت الوظائف المولدة من حظ الوافدين والجلوس في المنازل من حظ أبنائنا وبناتنا.
العمالة اليمنية كمثال غطت البلاد كما نرى جميعا من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها وفي كل القطاعات حتى المحصورة على السعوديين فقط كالعمل في محال بيع الخضروات وهي عمالة منتجة وناجحة في عملها وتكسب الكثير وتعمل ذاتيا بمشاريع تستثمر بها بالاستفادة من التستر المسكوت عنه وتعمل لدى بعضها البعض وبظني أن نظامها الاجتماعي وثقافتها تلعب دورا كبيرا في هذا النجاح في السوق السعودية حيث لا تستعيب العمل في أي مجال كان فالعيب كل العيب في الجلوس بالمنزل ومد اليد للآخرين.القوى العاملة السعودية قوى عاملة ليست منافسة لأسباب ثقافية وهذا شيء يجب أن نعترف به ونعمل على معالجته وعلى الدول وضع خطة لمعالجة الاتجاهات الثقافية السلبية الراسخة في نفوس المواطنين السعوديين حتى باتت عائقا كبيرا أمامهم لاغتنام الفرص الاستثمارية والوظيفية في بلادهم وتركها للآخرين وندب الحظ وطلب المساعدة من الدول لانتشالهم مما هم فيه، وأعتقد أن الوسائل الإعلامية والأندية الأدبية والمثقفين وصناع الفكر والرأي عليهم مسؤولية كبيرة يجب أن ينهضوا بها لمعالجة هذه الثقافة المعيقة المزرية وإلا بتنا نفزع من كل فرصة استثمارية ووظيفية تتولد في بلادنا لأنها تعني أن وافدا سيشغلها ونعاني نحن من فائض القوة الوطنية العاملة المعطلة.
****
alakil@hotmail.com