فاصلة:
(إذا قلت «أشعر بالحر»، بدأ يتصبّب العرق)
- حكمة عالمية -
في مقالة الأحد الماضي طرحت أسئلة حل التعصّب في حياتنا والعوامل الفردية التي تتسبب في وجوده، واليوم نتحدث عن البيئة التي تصنع هذا التعصّب.
وحينما نتحدث عن البيئة فإنّ الأسرة تأتي في مقدمة العوامل المؤثّرة في تشكيل شخصية الفرد حتى وإن ضعف تأثيرها حالياً، إلاّ أنها تمثّل بدايات التشكيل وأسسه.
ولذلك قد تقوم الأسرة بدور تنمية الاتجاه العنصري لدى أطفالها، وقد يتم هذا الدور بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق إدراك الطفل لسلوك والديه وحديثهما عن أفراد أو جماعات معيّنة بازدراء. ويتضح ذلك في ما يحدث في واقعنا اليومي بأنّ الطفل الذي ينتمي إلى أسرة تعتنق مذهباً دينياً مختلفاً، تجدها تغرس في طفلها حب هذا الانتماء وكراهية بقية الانتماءات الأخرى إلى درجة الحقد والتعصّب.
ثم تأتي جماعة الرفاق أو الجيرة في مرتبة أخرى من الأهمية، حيث يؤثّر الرفاق والجيران في اتجاهات الطفل والمراهق، فالطفل يكتسب منهم اتجاهاته وقيمه وسلوكه فإنْ كانوا متعصّبين لدين أو مذهب تعصّب مثلهم.
ويبقى أنّ من الخطير أن يشاع عن أي جماعة ما يتصف بها عن طريق التعصّب، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً يشيع عن الزنوج اتصافهم بالبلادة والانحلال الخلقي، مما ييسر للأبيض مواصلة استغلاله واستمرار اعتباره عبداً له، فلا تقدّم له من الخدمات ما يقدم إلى الآخرين، لأنه قد لا يستحقها وقد لا يفيد منها.
وفي تعاملنا مع العمالة المستخدمة يصل الأمر ببعضنا إلى طمس اسم العامل ومناداته بجنسيته إمعاناً في احتقاره.
وفي مجتمعنا يتعصّب المتشدّدون في آرائهم الدينية فيلصقون صفة التحرُّر والانحلال الأخلاقي فيمن يخالفهم، ونفس الدور التعصّبي يقوم به المتحرّرون، حيث يطلقون صفة التطرُّف أو الإرهاب على مخالفيهم الرأي.
من المؤسف أنّ العالم من حولنا يتقدم باتجاه التعلُّم والتقنية حتى وإن كان مليئاً بالصراعات والعنصرية كضريبة الحداثة، إلاّ أنّ معاييرنا في الحياة ذات الأفق الضيّق، سوف تلقي بنا إلى الوراء ما لم نستفد من ثورة التعليم ونعمة التأمُّل في تغيير الحال، إذ ما الفائدة من تضخيم ذواتنا في مقابل قمع ذوات الآخرين؟
بينما لا يوجد أي ارتكازات في ديننا تمدّنا بهذا التعصّب أو العنصرية لكنها ثقافتنا التي من صُنع أيدينا.
nahedsb@hotmail.com