في الوقت الذي لم يجد فيه الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، رحلة إلى أبها، وجد الإخوة الخليجيون رحلات بالجملة إلى لندن، باريس، وميونخ وتمكن بعضهم من شحن سياراتهم الفارهة مجاناً إلى وجهتهم السياحية. وسائل المواصلات هي عصب السياحة، ومن دونها تبقى المناطق السياحية معزولة مهما حباها الله من جمال الطبيعة، عذوبة الأجواء، وبرامج التطوير الطموحة.
تفوقت «أبها» بأجوائها الباردة على بعض عواصم الدول الأوربية حين سجلت درجات الحرارة فيها 10 درجات مقابل 32 درجة في ثلاث مدن أوربية منتصف شهر «يوليو» الماضي. ارتفاع درجات الحرارة لم يمنع السائحين الخليجيين من زيارة مدنهم الأوربية المفضلة، كما أن انخفاض درجات الحرارة، وجمال الطبيعة لم يُعطيا «أبها» البهية أفضلية الوجهة السياحية لأسباب أرجعها الأمير سلطان لأزمة خطوط الطيران، الكهرباء، والمياه، ونُضيف إليها قصور البُنية التحتية، الخدمات السياحية، ووسائل الجذب.
أنفق السواح العرب ما يقرب من 300 مليون جنيه إسترليني (1500 مليون ريال سعودي) على مشترياتهم في أسواق مدينة الضباب مقارنة بـ 250 مليون جنيه إسترليني للعام الماضي، وربما أكثر من ذلك في العواصم الأخرى ما يعني أن السياحة لم تعد مرتبطة بالمواقع السياحية بقدر ارتباطها بالأسواق العالمية، خصوصاً وأن العنصر النسائي هو المتحكم في برامج الإجازات العائلية. مدن (الموضة) الأوربية باتت قبلة السائحين العرب، والسعوديين في مقدمهم، وسياحة التسوق باتت مسؤولة عن تحديد وجهة السفر، بغض النظر عن المعايير التفضيلية الأخرى التي عادة ما تكون متوفرة في جميع العواصم الأوربية.
في الغالب تحرص المرأة الخليجية على زيارة المدن التي تحقق لها مُتعة التسوق، في الوقت الذي يحرص فيه الشباب من الجنسين على المدن التي تضمن لهم متعة (المُشاهدة) ومراقبة المارة في المقاهي العامة، والاستعراض؛ وهذا لا ينفي وجود فئة متميزة من المصطافين ممن يبحثون عن الهدوء، الترويح عن النفس في الأماكن السياحية، استغلال السفر في زيادة مخزونهم الثقافي، الاستكشاف، والاستمتاع بعيداً عن الابتذال، ومضايقة الآخرين.
الصحف اللندنية لا تتوقف عن نشر غرائب بعض الخليجيين، وكيف تحولوا إلى مظاهر سياحية يستمتع، و(يتندر) برؤيتها الإنجليز أنفسهم الذين باتوا أكثر حرصاً على زيارة مواقع تمركز الخليجيين لمشاهدة سياراتهم الفارهة، وصخبهم، وبذخهم الذي أكد لهم الاعتقاد السائد بملكية المواطنين الخليجيين لآبار النفط!. الاستعراض بالسيارات الفارهة، وملابس (الماركات) للشباب، يُقابله استعراض آخر لبعض المراهقات الخليجيات ممن ملأن وجوههن بألوان قوس قزح، وارتدين أزياء البيوت العالمية في وضح النهار!؛ إلا أن ذلك المشهد الاستعراضي النسائي يقابله أيضاً مشهد جميل مُحاطاً بالحشمة والوقار؛ نساء ومراهقات فاضلات محافظات لم يُغيرهن السفر في شيء، فكن في نظر الآخرين أجمل وأعظم قدراً من فاتنات قوس قزح.
أحاول أن أجد سبباً آخر لحب الخليجيين لشارع «إدجور رود» اللندني، وبعض شوارع العرب في المدن الرئيسة الأخرى، غير الاستعراض، التسكع، ومراقبة الآخرين، وفتح قنوات التعارف واللهو الذي انتقل من آهات الصيف، وزفرات الصحاري إلى عذوبة الأجواء الأوربية المتميزة، فأصبح من محفزات السياحة الخارجية.
نُغلق ملف العواصم الأوربية، ونعود لفاتنتنا الجميلة «أبها» وما يُخطط لها من برامج طموحة تَهدفُ إلى جعلها الوجهة السياحية المُفضلة في المنطقة. أعتقد أن إنشاء (ضاحية سياحية) في أحد المواقع الرئيسة في أبها ربما كان أقل تكلفة وأكثر جدوى، وأقرب إلى الإنجاز من محاولة تطوير المدينة مترامية الأطراف وفق المعايير السياحية الحديثة. قطعاً لا يمكن الفصل بين استمرارية التطوير الشامل للمدينة، كحق من حقوقها المشروعة، وإنشاء «الضاحية السياحية» المُقترحة، إلا أن التركيز على تهيئة منطقة محددة لتكون مركزا سياحيا متكاملا يضم كل ما يحتاجه السائح قد يُعجل في تحقيق الأهداف المرسومة، ويُساعد في القضاء على «الأزمات التي ضربت قطاع السياحة» في المملكة، ويُبقي للمدينة الجميلة خصوصيتها المتميزة.
ضاحية سياحية تُصمم وفق التخطيط العالمي الحديث، تُخدم بشبكة قطارات داخلية، يُراعى فيها وجود الحدائق والمتنزهات العامة، والشوارع الواسعة، والأرصفة الجميلة التي يمكن استغلالها كمقاهي مفتوحة، والفنادق بدرجاتها المختلفة، والشقق الفندقية، والأبراج الاستثمارية، والمتاحف، والقاعات الفنية، والأسواق المفتوحة، والمُغطاة بحسب التصاميم الحديثة، ومرافق رياضية متكاملة، وصالة تزلج، ومدن ألعاب عالمية، وحديقة مفتوحة للحيوانات. لماذا لا يكون لدينا «شانزليزيه»، أو «أكسفورد ستريت» أبها ليكونا عاملي جذب سياحي للمدينة. إعطاء الحوافز لكبريات الشركات العالمية المنتجة للملابس والمستلزمات النسائية والرجالية لفتح فروع لمتاجرها الرئيسة في أبها قد تجعل منها قبلة للسائحين الخليجيين، كما حدث في دبي والبحرين. «ضاحية أبها السياحية» قد لا تكلف الدولة غير الأرض، والتصاميم العالمية الحديثة، ونماذج المشروعات المقترحة، أما الباقي فيمكن أن تتكفل به شركات ومستثمرون يبحثون عن فرص استثمارية واعدة في قطاع السياحة. رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، إلا أن الخطوة يجب أن تكون محسوبة ومدروسة بدقة. نحتاج إلى استحداث خطط جديدة في البناء والتنمية السياحية تضمن لنا تحقيق النجاح وبلوغ الأهداف المرسومة بتكاليف معقولة، ومدد زمنية قصيرة. نقل الأفكار العالمية وتوطينها ربما حقق لنا ما لم يستطع خبراؤنا تحقيقه خلال العقود الماضية. أما ما يتعلق بمعضلة «الخطوط السعودية» التي لا يمكن الاعتماد عليها في إنجاح خطط السياحة الطموحة، فيمكن حلها من خلال فتح سوق الطيران الداخلي للشركات العالمية، أو الطائرات المُستأجرة خلال موسم الصيف، أو إنشاء شركة طيران مختصة بالبرامج السياحية، ومثلما نجحت طائرة (أم أحمد) الوحيدة، ووكيلها الفرد، في ربط المملكة العربية السعودية بالبحرين لعقود من الزمن قبل افتتاح الجسر، فمن المتوقع نجاح شركة الطيران السياحية الاقتصادية في تحقيق هدف ربط مناطق المملكة بعضها ببعض. المنافسة العادلة وفتح السوق تضمن الحصول على الخدمة الجيدة بأقل الأسعار. مُقترح الضاحية السياحية يمكن تطبيقه في الطائف، جدة، الخبر وباقي المدن المستهدفة. صناعة السياحة تحتاج إلى جهود مشتركة، وأفكار خلاقة وبنية تحتية، وأسعار منافسة، وثقافة مُجتمع، وإيمان تام بأهمية الصناعة السياحية وأنها من أهم مكونات الاقتصاد.
****
f.albuainain@hotmail.com