لديّ أخوان، أحدهما هلالي والآخر نصراوي، كلما اجتمعا في مكان واحد أشغلا الجميع بالصراع والجدل العقيم بين الفريقين، وما أن يتوقفا عن الصراخ وتبادل النكات، والسخرية بعضهما البعض، حتى يتحولان بالجدل بين جهازي (البلاك بيري) و(الآي فون)، أحدهما يجعل (البلاك بيري) جهاز المراهقين والعاشقات الصغيرات، والآخر يتهم (الآي فون) بجهاز التخلف والبطء.
بعد قرار هيئة الاتصالات في السعودية إيقاف خدمة (البلاك بيري) كان أحدهما يشعر بنصر عظيم، وهو يضحك على الآخر بتهكم: وعندك واحد (بلاك) لو سمحت! ويجيبه الآخر بثقة: العبرة في النهايات يا متخلف!
منذ انطلاق خدمة الهاتف المحمول لدينا، ونحن نتوجس وننظر بريبة لكل تطور، فعند بدايات استخدام الجوال كانت المرأة التي تمشي في الأسواق وتتحدث بالجوال تعتبر في نظر البعض امرأة سيئة، ثم جاءت سنة «الباندا» وقفزة الكاميرا، وما حدث فيها من كشف حادثة التحرش المعروفة وتوثيقها، حتى أصبحت تقنية الاتصالات المتطورة تقلق المجتمعات الساكنة المطمئنة، التي لم تكتف بمراقبة الاتصالات فحسب، بل أن بعض الدول العربية تحظر حتى خدمات المواقع الاجتماعية الشهيرة، كخدمات ال(فيس بوك) مثلاً، حيث تعتبر في نظرها أماكن تجمعات وذات قدرة عالية وسريعة على تبادل الأخبار والمقالات الممنوعة، ومتابعة الأحداث والتنظيم والتحريض أحياناً على اتخاذ مواقف مع قضية، أو ضد قضية ما، مما يصعب أحياناً مراقبته. ففي قضية هذا الجهاز المجنون الذي أقلق كثيراً من الدول، تحذر البحرين من نشر أخبار محلية عبر التراسل الفوري، والكويت تطالب بحجب ثلاثة آلاف موقع إباحي، فضلا عن تخوفها أمنياً من الجهاز وطريقته التنظيمية، كذلك الإمارات التي أوقفت خدمات الشركة الكندية، وهنا أيضاً أفادت هيئة الاتصالات بأن الشركة الكندية لم تستوفِ المتطلبات التنظيمية للهيئة!
لا أحد ينكر على أي بلد حقها في الحفاظ على أمنها الوطني، بل يأتي أمن البلاد على رأس أولويات المواطن ومتطلباته، لأنه الحجر الأول لنماء المواطن وازدهار وطنه وتقدمه، لذلك لا أحد يلوم هذه الدول، من دول الخليج حتى لبنان والهند وغيرها، من ممارسة حقها السيادي فيما تراه مناسباً، لكن يأتي السؤال المشروع لأي مواطن هو لماذا لم يحدث ذلك في أمريكا ودول أوروبا ومعظم دول العالم، هل لأن شركة (ريسرش إن موشن) الكندية استجابت لهذه الدول جميعاً، ومنحتها امتيازات الحصول على نسخة من مفتاح التشفير الخاص بأي عميل؟ وهو ما لم توافق عليه لصالح هذه الدول المعترضة على طريقة عملها؟ أم أن هذه الدول الديمقراطية لا تفكّر بالدخول كطرف ثالث بين المستخدم وبين الشركة؟ علماً بأن كثيراً من هذه الدول، وعلى رأسها أمريكا، وبعض دول أوروبا، تعاني من التهديد المستمر للقيام بأعمال إرهابية؟
فهل هذه الشركة الكندية تتعامل بميزانين مختلفين، أحدهما للدول المتقدمة التي تفرض سياساتها وشروطها، وآخر للدول النامية؟ أم أن معايير هذه الدول أصلاً متباينة حول طلب بيانات المتصلين داخل أراضيها؟
أعتقد أن الأمر الأكثر أهمية الآن، هو أن تصدر هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بياناً تفصيلياً واضحاً تشرح فيه أسباب إيقاف خدمة التراسل الفوري عن المشتركين، وعن سير المفاوضات مع الشركة المصنّعة، واحتمالات التوصل إلى اتفاقيات، أو تعويض المشتركين بخدمات بديلة، كما هو شأن هيئة الاتصالات في الإمارات، التي أصدرت معلوماتها بكل شفافية ووضوح، كي يطمئن مستخدمو هذا الجهاز، وتجار الاتصالات، وأيضاً أخي الذي ينتظر عبرة النهايات، حسب وعده وقوله، بأن: ما لك إلا البلاك!