خيمة كبيرة نُصبت في منتزه «الشكران» التابع لمحافظة بلجرشي في منطقة الباحة، احتضنت الأنشطة المنوّعة التي أشرفت عليها وعلى تنفيذها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببلجرشي، وشهدت توافد الجماهير من أنحاء محافظة بلجرشي، وبعض المحافظات الأخرى، رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً. خيمة متميزة شكلاً ومضموناً؛ فهي من حيث الشكل كبيرة الحجم، تتسع لما يقرب من خمسمائة شخص، وهي جميلة الشكل مزوَّدة بقطع قماشية مزينة، وأجهزة تكييف كبيرة، وأعداد كبيرة من الكراسي، ومسرح صغير في مقدمتها تجري عليه الأنشطة المنوعة من محاضرات وندوات وأمسيات وأناشيد ومشاهد تمثيلية ومسابقات ثقافية، وشاشة كبيرة للعرض، وأجهزة نقل متطورة تنقل ما يجري فيها إلى خيمة النساء المجاورة.

أما من حيث المضمون فقد شهدت خيمة «ملتقى خير أمة» نشاطاً منوعاً ماتعاً، تعددت فيها الموضوعات والقضايا المطروحة، التي قدمها عدد من العلماء، والدعاة، والأدباء على مدى أسبوع كامل.

انطلقنا بعد أن صلّينا المغرب في منزلنا في قرية عَراء منحدرين من جبال بني ظبيان السامقة إلى سهول محافظة بلجرشي عبر طرق معبَّدة مزدوجة، مخترقين عشرات القرى والأودية المزدحمة بسيارات المصطافين الملأى بالعوائل التي تبحث عن مواقع تأنس فيها بالجوِّ الجميل، والنسيم العليل، ورذاذ المطر الخفيف الذي يتحول أحياناً إلى زخات من المطر الغزير تجبر الناس على الصعود إلى سياراتهم حتى يهدأ المطر؛ ليعودوا بعدها إلى الاستمتاع بأجواء ساحرة.

المسافة من القرية إلى مقر الملتقى تستغرق ساعة كاملة، خضنا فيها أمواجاً من الأضواء التي تزيِّن الطريق بأشكال جمالية لافتة للنظر، ويا لها من صورة تختلف عن الصورة التي كانت عليها هذه الأودية والقرى قبل عشرين عاماً، أما صورتها قبل أربعين عاماً فهي صورة مختلفة الاختلاف كلَّه. وصلنا إلى مخيم ملتقى خير أمة حيث التقينا الشيخ خالد السلمان المشرف على نشاط المخيم وعدداً من المشايخ وأعيان المنطقة والأساتذة وطلاب العلم، وكانت المحاضرة بين المغرب والعشاء بعنوان: «كنتم خير أمة أخرجت للناس»، قدمها الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الفريان، الصديق العزيز ابن شيخنا الغالي عبدالرحمن - رحمه الله -.

كانت الغيوم الكثيفة، التي تسوقها رياح شديدة، ترافقنا في رحلتنا، بل كانت تسابقنا، وكان المطر الغزير قد سبقنا إلى مكان المخيم بساعات، فقد قدم فقرته الجميلة في الملتقى الساعة الثالثة عصراً، فكانت أجمل الفقرات أثراً في نفوس الناس، وفي أغصان الأشجار، ومنابتها، وجذوعها، وفي وجدان التراب الذي يصنع من امتزاجه بالمطر أجمل الروائح وأحسنها شذى فوَّاحاً ينعش القلوب.

لما دخلنا المخيَّم لنبدأ الأمسية كانت جوانب الخيمة الكبيرة تخفق خفقاناً قوياً بسبب الرياح الشديدة، وذكرني ذلك بقول ميسون زوجة معاوية رضي الله عنه:

وذكرت هذا للجمهور، وقلت: بعد أن سمعت هذا الخفق الجميل لجنبات هذه الخيمة شعرت بأن ما قالته ميسون حقٌ لا يلومها عليه إلاَّ من لم يستمع إلى هذا العزف الجميل.

سعدت بجمهور كريم محبٍّ للشعر، متفاعل معه، وبما رأيت من أثر فعَّال للملتقى في نفوس الناس، وقد علمت أن لخيمة النساء من النشاط الخاص بهن ما كان منافساً قوياً لخيمة الرجال، مع ما يتابعن من بعض المحاضرات والندوات المنقولة عبر الدائرة التلفازية.أما معرض تاريخ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد كان مؤثراً؛ لأنه يعرض تاريخ هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة من خلال لوحاتٍ فيها رصد تاريخي مختصر منذ بداية الإسلام إلى اليوم، موضحاً تطوُّر الأساليب بحسب إمكانات الزمان والمكان، ومبيناً الدور الكبير الذي تقوم به هيئات الأمر بالمعروف في المحافظة على أمن البلاد، من خلال القيام بواجبها حسب الأنظمة المقررة، والتعاون مع الجهات الأمنية الأخرى.

وكانت وقفتنا طويلة في «معرض السيرة النبوية المطهرة» الذي شارك به الأستاذ إبراهيم الحارثي، ويا له من معرض مؤثر جداً يتضمن لوحات تعرض السيرة العطرة ابتداء من نزول الوحي في مكة وانتهاءً بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو معرض مقسَّم إلى عددٍ من الأجنحة أو «الحجرات»، كلُّ حجرة منها تتضمن إيضاحاً لمرحلةٍ من مراحل السيرة النبوية مؤيدة بصورٍ لبعض الآثار والمواقع، وبالآيات القرآنية، والنصوص الصحيحة من حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

«ملتقى خير أمة في بلجرشي» هو ثالث الملتقيات التي أقامتها رئاسة هيئة الأمر بالمعروف هذا العام في «حائل - وأبها - والباحة»، ولعلَّ الأثر الكبير لهذه الملتقيات يدعو الرئاسة إلى زيادة عددها في الصيف المقبل إن شاء الله تعالى.

إشارة: