لم تعد حروب العرب القديمة تدعو إلى التسلية والتندّر، ولا حتى الحديثة منها، فإن حرباً تدوم لأربعين عاماً بسبب ناقة، أعني بذلك حرب البسوس، وأن نقرأ في الصحف رجل يقتل آخر بسبب دجاجة مثلاً، فهو أمر أصبح عادياً عند مقارنته باختراق دولة مستبدة لحدود دولة جارة، وانتهاك سيادتها، بحجة قطع شجرة سليطة!
هذا ما يحدث الآن، فالجيش الإسرائيلي نقض القرار 1701 المتضمن التأييد الشديد لاحترام الخط الأزرق، والتأييد الشديد للسلامة الإقليمية للبنان وسيادته واستقلاله السياسي، لمجرّد أن شجرة طالت وأعاقت عمل الكاميرات الإسرائيلية، التي ترصد أي جسم متحرك في لبنان، بجد هذه شجرة وقحة جداً، وربما نسي مجلس الأمن أن يضمن سيادة لبنان واستقلاله السياسي ما لم تنمو شجرة وأحراش نباتية بغيضة تعيق مجال الرؤية لعدسات الكاميرات الإسرائيلية!
كنت أفكّر، طيب لو أن لبنان قرّرت بدلاً من هذه الشجرة التي نمت بشكل طبيعي، أن تبني جداراً عازلاً بارتفاع تسعة أمتار على غرار الجدار العازل الذي أقامته الحكومة الإسرائيلية حول الضفة الغربية لمنع سكانها من دخول إسرائيل، ماذا سيفعل الجيش الإسرائيلي؟ هل سيعيد ذكرى اجتياح عام 82م؟ أم سيحتل لبنان بأكملها وليس الجنوب فحسب؟
ذكّرتني هذه الشجرة بحكاية شعبية قديمة، حول امرأة عجوز متصابية، ولها عشيق يحلم بالاختلاء بها، لكن ابنها الوحيد يجلس ليبيع بضاعته كل يوم تحت سور المنزل الخارجي، مستظلاً بشجرة ضخمة، حتى توصلت العجوز إلى فكرة شيطانية تبعد من خلالها ابنها عن البيت، فتباكت أمامه، من أنها لا تستطيع الوضوء ولا الصلاة في باحة البيت، لأنها تخشى نظرات الطيور فوق الشجرة، التي تكشف عورتها، فكان الحل أن تقطع الشجرة من جذعها، حتى تسلم من الطيور، أو بمعنى أكثر دقة، حتى يذهب الابن ببضاعته بعيداً، وتنفرد هي بعشيقها!
يبدو أن الأشجار تتشابه، وهي عذر قوي ومنطقي لارتكاب الخطيئة، فشجرة إسرائيل لا تختلف كثيراً عن شجرة المرأة العجوز، بل ربما تصبح الشجرة في المستقبل أيقونة لأي عراك وصراع بين اثنين، فقد نسمع أحدهما يقول للآخر بغضب: أقول لك، ابعد شجرتك عنّي!
ولعل المختلف في شجرة لبنان التي أثارت غضب الجيش الإسرائيلي وعنجهيته، ذلك البعد الرمزي لهذه الشجرة، وعلاقتها التاريخية بلبنان وأرضه، فجزّها أو سقوطها هو سقوط دولة ذات سيادة، إذا اعتبرنا رِفعة الدول وشموخها يرتبط بارتفاع راياتها، وسقوط الشجرة اللبنانية، هو بشكل مجازي، سقوط لشجرة الأرز في راية لبنان، وهو مؤشر يثير القلق مع هذا الصيف، خاصة أن إسرائيل اعتادت أن تهدي لبنان كل صيف مزيداً من القنابل، وتختبر في أراضيها بعض الأسلحة الذكية، وتترك لنا استخدام عقولنا الغبيّة في تحليل ما يحدث!
تقول وكالة الأنباء الفرنسية، إن إسرائيل قطعت الشجرة التي سبّبت الأزمة، فهل سيتوقف إطلاق النار؟ أم أن الشجرة سقطت فعلا، الشجرة بمعناها المجازي؟.
وماذا سيفعل مجلس الأمن هذه المرّة؟ هل سيضيف قراراً جديداً يوقف به إطلاق النار وتكرار الكلام الممل في قراراته؟ أم سيصمت حتى تندلع الحرب ثم يبحث في سبل إيقافها؟
شخصياً، ومن خلال خبرتي الطويلة في قراءة قرارات مجلس الأمن ومتابعتها، أتوقع هذه المرّة، أو أقترح على الأعضاء، الإجماع على ضرورة توظيف بستاني إسرائيلي في قرية العديسة، بل توظيف جيش من البستانيين في جميع قرى الجنوب اللبناني!.