لا شك أنَّ تحديد فترة موظفي مرتبة وزير والمرتبة الممتازة بأربع سنوات كان قراراً صائباً. وهذا يعني (نظرياً) أنَّ شاغلي مثل هذه المناصب سيكونون معرَّضين للتقييم بشكل دوري؛ فمتى ما كانت إنتاجيتهم تواكب المطلوب منهم كأصحاب مناصب عليا تم التمديد لهم، وعندما تنخفض هذه الإنتاجية معنى ذلك أنَّ الاستمرار مسألة - كما يقولون - فيها نظر. وهذا يتطلب كي يكون التمديد أو الاستغناء مُبرراً أن يكون هناك آلية قياس إدارية عادلة يجري من خلالها تقييم عمل صاحب هذا المنصب أو ذاك، ومدى قدرته خلال مدة وجوده في منصبه على الوفاء بما أُسند إليه من مسؤوليات. غير أنَّ هناك كثيراً من أصحاب المناصب العليا تمَّ التمديد لهم أربع سنوات أخرى ولم يؤدوا في أعمالهم ما يُبرر التمديد. خذ مثلاً مدير عام الخطوط السعودية الحالي، فقد جرى التمديد له لمدة أربع سنوات أخرى في منصبه قبل ثلاثة أشهر، مع أنَّك لا تكاد تجد سعوديين لا يتفقان على إخفاقه في تأدية ما هو مطلوب منه كمدير عام للخطوط، وبالتالي كان من المفروض تغييره بمن هو أكفأ منه، وأقدر على إدارة هذا المرفق الخدمي الهام؛ ولعل الوضع المزري الذي تمر به الخطوط السعودية في المدة الأخيرة يؤكد ما أقول.
ومن المعروف عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - أنَّه يتابع وزراءه، ومن هم في مرتبة وزير أو في المرتبة الممتازة متابعة دقيقة وشديدة في الوقت نفسه، وينبههم باستمرار إلى إخفاقاتهم، ويحيل إليهم كثيراً ما يُكتب عنهم من نقد، ويستفسر عمَّا ورد إليه عنهم من معلومات؛ هذا إضافة إلى أنَّه دائم التواصل بهم بشكل رسمي وغير رسمي أيضاً، وتُرفع إليه - حفظه الله - كثيرٌ من التقارير من جهات عدة عن مدى قيام أصحاب المناصب العليا بما أوكل إليهم من مهام، الأمر الذي يضع الواقع أمامه في منتهى الوضوح.
والملاحظ أنَّ هناك كثيراً من كبار المسؤولين من أصحاب المعالي عندما توشك فترة أربع السنوات على الانقضاء تجد أنهم يقومون بجهد إعلامي غير عادي، فتكثر تصريحاتهم، ونشاطاتهم، وتنقلاتهم بين المناطق، ويتحول مكتب معاليه إلى (خلية نحل) لا تهدأ؛ وكأنَّهم يريدون أن تعدي هذه الفترة على خير، وبمجرد أن يتم التمديد لهم تعود (حليمة إلى عاداتها القديمة)، وكأنَّ لسان حاله يقول: (الوعد عقب أربع سنين)، وهكذا دواليك في الغالب للأسف الشديد.
إنَّ هناك من أصحاب هذه المناصب الكبيرة، وبالذات مَن يتولون بعض المناصب الخدمية، كإدارة الخطوط مثلاً، مَن لا يمكن الصبر عليهم وإبقاؤهم في مناصبهم، خاصة وأن كثيراً من الشائعات تتحدث عن خلل إداري بنيوي، وصراعات بين المستويات الإدارية العليا في المؤسسة؛ وغنيٌ عن القول أنَّ (المدير العام) أُتي به ليكون عملياً أفضل من سلفه، أو هكذا كان الأمل فيه، بينما الواقع يقول إنَّ فترة سلفه كانت أفضل وبمراحل من فترة المدير الجديد، فلماذا إذن يتم الإبقاء عليه طالما أنَّه غير قادر على مواكبة تحدي المنصب الذي أوكل إليه؟
إنَّ المواطن يعاني الأمَرَّين من الخطوط، وكل المؤشرات تقول إنَّ كل مشكلات الخطوط سببها إداري بحت، وأنَّ المدير العام يتحمل جزءاً كبيراً من هذا الإخفاق، فلماذا لا يتم تغييره؟
إلى اللقاء.