بناءً على ما بدأتْ تكتبه الصحف المحلية عن هذه الجمعيات، يطيب لي أن أدلي بما أعرفه عنها، وأن أوضح أنه لم يبدأ ظهورها مع مباشرة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أعمالها كما يعتقد البعض، وإنما مع بداية حكم الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- لكن كان بمسمى مختلف عن مسماها الحالي، إنما الهدف هو الهدف نفسه، فالملك عندما ولاه الله أمر هذه البلاد اهتم بكل ما يتطلبه الحكم من أمن واستقرار وتطوير، وما يعود على المواطن بالخير والرخاء، ولهذا أسس حكمه على أشياء كثيرة منها ما يتعلق بالقضاء والشريعة الغراء وخدمة الحرمين الشريفين، والتعليم، والأمن والقوات المسلحة، والزراعة والصناعة، وغير ذلك مما تتطلبه مملكة مترامية الأطراف. ومن بين ما اهتم به الجوانب الإنسانية عندما أصدر أمره الكريم بتشكيل هيئة في معظم بلدان المملكة مكونة من القاضي والأمير والمشهود لهم بالأمانة والصلاح من أهل البلد، أسند لهم بموجب هذا الأمر مهمة تلقي ما يَرِدهم من الملك سنوياً من مواد غذائية في ذلك الوقت، التمر والقمح وما يتيسر من النقود والملابس، كي يتم إيصالها لمن هم بأمسِّ الحاجة إليها بعد دراسة مستفيضة لأوضاعهم. ويؤكد اهتمام الملك بهذا الجانب ما اعتمد في ميزانية عام 1367هـ البالغة 214.586.500 ريال، المعلن عنها بجريدة أم القرى في 30 جمادى الأولى عام 1367هـ. فقد خُصص من هذه الميزانية مبلغ 3.144.743 ريالاً للصدقات، ومبلغ 4.846.000 ريال إعانة للمؤسسات الخيرية، ومبلغ 8.250.000 ريال بدل غلاء معيشة. وللعلم فإنَّ ميزانية عام 1353هـ بلغت 14 مليون ريال، والإيرادات مثلها. وعندما تطورتْ كل وسائل الحياة في المملكة، على سبيل المثال لا الحصر التعليم الذي تحول من تدريس بالمساجد وفي بعض البلدان بالشوارع إلى تعليم عام وتعليم عال، انبثق عنه عشرات الجامعات وابتعاث آلاف الطلاب للخارج، كان لا بد أن يشمل هذا التطوير الجانب الإنساني الذي بموجبه استُبدلتْ هذه الهيئات بمؤسسات خيرية وبرئاسة عامة للأيتام أُلحق بها دور رعاية للمسنين، وفيما بعد ضُمت هذه الرئاسة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كما أوكل لهذه الوزارة أمر تأسيس الجمعيات الخيرية، وبناء عليه أحدثتْ بالوزارة عدة مؤسسات ودور ومراكز اجتماعية حكومية ومؤسسات أهلية خيرية ممثلة بالجمعيات الخيرية تشرف عليها إدارة عامة للرعاية الاجتماعية، تحولتْ فيما بعد بناء على تطورها واتساع خدماتها إلى وكالة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لشؤون الرعاية الاجتماعية، وعُيِّن صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أول وكيل لها، فبذل سموه جهوداً جبارة للارتقاء بمستوى خدماتها، وقد اعتمد لها ميزانية سنوية خاصة بها خُصص جزء منها إعانة للجمعيات الخيرية. وفي هذه الوكالة تطورت وازدهرت الخدمات الاجتماعية الحكومية، وكنتُ -والحمد لله- ممن عاصروا ولادتَها وعصرها الذهبي، ولم أشهد نهايتها عندما تم دمجها بوكالة الوزارة للشؤون الاجتماعية التي كانت جزءاً منها لأنني في ذلك الوقت قد انتقلت إلى ديوان صاحب السمو الملكي وزير الدفاع والطيران والمفتش العام. هذا ما قصدتُ أن يعلمه ويقف عليه المهتمون بالجوانب الإنسانية وبالذات الذين بأمر ذي العزة والجلال في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم من أبناء هذا الوطن الذين تفضل الله عليهم بثروات كبيرة من خيرات بلادهم وازدهار اقتصادها ومشاريعها التنموية العملاقة. أؤكد لهؤلاء بحكم ما وقفتُ عليه مراراً وتكراراً على أوضاع هذه الجمعيات والطرق العديدة التي تنفذ بها خدماتها وبرامجها المتعددة والتي تعتبر مبعث فخر واعتزاز أن القائمين والقائمات على هذه الجمعيات ومن بينهم أصحاب وصاحبات السمو وشخصيات المجتمع البارزة جميعهم من محبي الخير والعمل التطوعي الإنساني، فبالإضافة إلى ما يبذلونه من جهد للارتقاء بمستوى خدماتها يساهمون سنوياً بمبالغ يدعمون بها وارداتها، وهذا يزيل شكَّ من يُخيل لهم أن هناك تلاعباً أو إهمالاً في مصروفاتها، فالذي يبذل من ماله لا يمكن بأي حال أن يُشك في نواياه أو أن يُتهم بأي شيء آخر، وهذا أمر لا أؤكده مما يروى لي أو مما أسمعه في وسائل الإعلام أو من فلان وعلان بل إنني وقفت عليه بنفسي وأشرفت عليه وناقشته وجهاً لوجه مع مسؤولي ومسؤولات الجمعيات بحكم مركزي القيادي في الوكالة وثقة معالي الوزير وسمو الوكيل في ذلك الوقت، وزاد من تعرفي ووقوفي على أوضاع هذه الجمعيات عندما تعرضتْ لحملة شرسة مغرضة وافتراءات باطلة كان الهدف منها وقف تسجيل جمعيات جديدة وتجميع بعضها في جمعية واحدة وخفض مبلغ الإعانات التي تقدم لها من الدولة عبر الوزارة، فأمام هذا الذي تعرضتْ له أصدرَ المقام السامي أمراً عاجلاً بتشكيل لجنة يرأسها الوكيل المختص للوقوف ميدانياً على أنشطتها وبرامجها ومصروفاتها وإيراداتها ورفع تقرير عما تتوصل إليه اللجنة، وكان لي شرف رئاسة هذه اللجنة لأنني وقتها الوكيل المختص بالنيابة، وإنفاذاً للأمر الكريم قامت اللجنة بزيارة ميدانية لجميع الجمعيات البالغ عددها حوالي خمس وثمانين جمعية أكثر من عشرين منها نسائية متواجدة في شمال وجنوب وشرق وغرب المملكة، وأثناء الزيارة تم الاطلاع على كل ما يُنفذ فيها من برامج وأنشطة وخدمات اجتماعية ومساعدات نقدية وعينية وعلى مصروفاتها وإيراداتها ومناقشة ما لزم الأمر مناقشته وتوضيحه، واتضح للجنة أن إجراءات الجمعيات سليمة ومتمشية مع أهدافها النبيلة، كما تأكد للجنة أن الجمعيات ملتزمة بتنفيذ ما يُصدر إليها من تعليمات من الوزارة وخاصة ما يتعلق منها بحصر أنشطتها وكل ما تقوم به على الداخل وعدم الارتباط بأي جهة أجنبية لأنها وُجدت وسُمح لها من أجل الداخل. وكل ما تم الإشارة إليه تضمنه التقرير الذي رفعتْه الوزارة للمقام السامي الذي ردَّ بعد اطلاعه على التقرير أن ما جاء فيه شيء طيب على أن يُؤخذ في الاعتبار استمرار الإشراف والمتابعة على سير أعمالها. ومن يومها أخذ عدد الجمعيات يزداد، وأصدر مجلس الوزراء لائحة خاصة بهذه الجمعيات تضمنت تقديم إعانات متنوعة لها.
لهذا أثق:
أولاً: إن مسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية وعلى رأسهم معالي الوزير الأخ الدكتور يوسف العثيمين ماضون في دعم هذه الجمعيات بما يمكنها من الاستمرار في أداء رسالتها الخيرية على أكمل وجه، وهم يدركون أكثر من غيرهم أن الجمعيات لو قُدِّر وتخلتْ لأي سبب من الأسباب عما تقوم به فإن الوزارة سوف تضطر للقيام به، وهذا سوف يترتب عليه أضعاف أضعاف ما تصرفه الجمعيات.
ثانياً: وبمناسبة قرب شهر رمضان المبارك شهر الخير والبركات ومضاعفة الحسنات، فإن هذه فرصة يجب أن يغتنمها كل القادرين وكل الذين يتمنون أن يجدوا جهة مؤتمنة تنوب عنهم في إيصال زكواتهم وتبرعاتهم وصدقاتهم لمستحقيها الحقيقيين، فمن وجهة نظري وخبرتي الطويلة أعتقد جازماً أنهم لن يجدوا من يحقق رغبتهم ويوصل ما أوجبه الله عليهم لمن هم بحاجة إليه غير هذه الجمعيات، فعلى هؤلاء أن يتوكلوا على الله وأن يضعوا ثقتهم التامة بها، فكما ذكرت آنفاً أن القائمين والقائمات عليها هم من أخيار الناس والذين يريدون وجه الله بما يقومون به، وبإمكان هؤلاء تحديد نسبة ما تستحقه كل جمعية بناء على ما تنفذه من برامج بعد الرجوع للجهة المسؤولة عن الجمعيات بالوزارة التي من السهل عليها تحديد ما ذكر بحكم إشرافها على الجمعيات والاطلاع على حساباتها وأنشطتها.
ثالثاً: أعني بالجمعيات ليس فقط الجمعيات الخيرية وإنما كل ما له صلة بالعمل الخيري مثل جمعيات تحفيظ القرآن وغسل الكلى وأي شيء طابعه وهدفه خيري.
رابعاً: قبل النهاية لا يفوتني أن أشيد بما تقوم به الجمعيات النسائية من اهتمام بالغ بأمر الجمعيات النسائية وربما أو على الأصح النساء قد سبقن الرجال في تأسيس أول جمعية نسائية.
أخيراً، الشيء المهم الذي يجب أن نحمد الله ونشكره عليه تلك النعم التي لا تحصى ولا تعد التي مَنّ الله بها على هذه المملكة، فمن ميزانية عام 1353هـ أربعة عشر مليون ريال إلى ميزانيات سنواتها الأخيرة ذات آلاف المليارات والتي عم نفعها كل أرجاء الوطن وأدت إلى قيام شركات ومؤسسات تجارية وثروات لدى الكثيرين من أبناء الوطن، وآمل أن يعم نفعها من هم بحاجة إليها من أبناء الوطن من خلال ما يقدمونه لهم بواسطة الجمعيات الخيرية. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد.. ولعلي مما تطرقت إليه ممن ينطبق عليه الدال على الخير كفاعله.. وبالله التوفيق.
*وكيل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لشؤون الرعاية الاجتماعية سابقاً