كنت قد أشرت في المقالة السابقة إلى كتابي الدكتور سعد الصويان، الهائلين من حيث الموضوعة والحجم والمكابدة التي انتجت هذين العملين المميزين، وقلت أنهما تناولا (ثقافة الصحراء) بل أسسا لها تأسيساً نظرياً عميقاً يؤدي إلى مناقشة (حضارة الصحراء) وتكريسها كحضارة قائمة مثل كل الحضارات لا سيما وأن الدكتور سعد يكتب في مقدمة الكتاب الأول (الصحراء العربية ثقافتها وشعرها عبر العصور - قراءة أنثربولوجيا) أقول يكتب هكذا (إنني أطمح إلى أن يسهم هذا العمل في تصحيح الصورة المشوهة التي تحملها «النخب العربية» في أذهانهم عن التنظيم القبلي وطبيعة الحياة البدوية وقيم الثقافة الصحراوية وعن علاقة البدو والحضر في الجزيرة العربية، إننا غالباً ما نتبنى دونما أن نشعر وجهة النظر الحضرية وتحيزاتها ضد القبيلة)!!. ثم يستمر الصويان في مقدمته الرائعة أن هذا العمل (أي كتابيه) الموسومين لا يدعو إلى العامية ولا لأن دراسة البداوة تعني النكوص إلى عصر البداوة والقبيلة. ثم يستمر الدكتور الصويان بالقول: (إننا ندرس هذه المواضيع كجزء من تاريخنا الثقافي والاجتماعي وكأحد محددات هويتنا وتصوراتنا الجمعية التي لا تزال رواسبها توجه سلوكياتنا على مستوى اللاوعي).
ويضيف الصويان الرائع: (إنها تبقى جزءاً من المنتج الإنساني والتجربة الإنسانية التي يحرص العلم على رصدها وتوثيقها فهي لا تقل أهمية عن (اللُقى والحفريات التي لا تزال محتفظة بقيمتها كمادة علمية بالرغم من مرور آلاف السنين عليها وانقراض الجماعات التي خلّفتها مطمورة تحت الأرض)، ثم يؤكد الدكتور الصويان: (على أنه فيما إذا كنا ندرس الثقافات البابلية وثقافة البيرو أو ألأنكا أو سكان أستراليا الأصليين أو الهنود الحُمر أو أن ندرس اللغة السومرية والكتابة المسمارية والهيروغلوفية فإنه من المشروع حقاً أن ندرس الشعر البدوي والقبائل العربية وثقافة الصحراء)، كدرس يهمنا بالذات.
لذا ومن هنا ومن خلال هذا الطرح المنطقي الواعي والواقعي والمضيء لصديقنا الصويان فإنني أرى أنه لزاماً عليّ ومن خلال هذا الاهتمام المتقارب معه بل والمتوافق إلى حد كبير مما يطرح فإنني أقول إن كل ثقافتنا العربية منذ الجاهلية، بل كل ما هو أقدم منها من الكيانات الحضارية الأولية التي نشأت على الصحراء (النبطية، ادوماتو تدمر، مدائن صالح، البتراء)، أقول كل هذه الكيانات الخالدة قد أسست أصلاً (حضارة الصحراء) التي نقلتها لنا النقوش القديمة ومن ثم الأدب الشفاهي بعد ذلك في الجاهلية إلى أن جاء عصر التدوين بعد الرسالة المحمدية الخالدة رغم أن الدولة الراشدة الإسلامية الأولى لم تهتم كثيراً إلا بتدوين القرآن ولكن الدولة الأموية هي التي قامت بتدوين الأدب العربي الشفاهي آنذاك وجمعت ثقافة الصحراء.
ونستكمل في الحلقة القادمة لأهمية الموضوع.
(3) إشارات لابد منها
أولاً: أشكر اللواء عثمان المحرج مدير مكافحة المخدرات في المملكة على استجابته السريعة والنبيلة والعاجلة لما أشرنا إليه لطريقة التفتيش اللاحضارية التي كانت تمارسها إحدى الدوريات الأمنية في وسط حفر الباطن، وذلك لما أبداه سعادة اللواء من أسف وشجب لهذا الأسلوب الذي نفاه عن أسلوب وأوامر المكافحة التي تمارس دورها -غالباً- خارج المدن.. فشكراً له وللمقدم فهد الحماد مدير مكافحة المخدرات في حفر الباطن لما أبدياه من تفاعل واهتمام.
ثانياً: أشكر الموظفين (من وزارة الكهرباء والماء) الذين استجابوا سريعاً لندائي لتنوير مسجد (الندوة) وإمداده بالمياه، وأشكر الشيخ عبدالله يتيّم الذي نبهني -مأجوراً- لذلك.
ثالثاً: أشكر الشيخ محمد عبدالله الطيار على اهتمامه النبيل بأحوال الفقراء المتعففين ولما يقدمه لهم من مساعدات إنسانية سواء أكانت مادية أو عينية وبطريقة سرية لا يعلم بها إلا رب العالمين، وآمل أن يستمر على هذا النهج الفضيل.