يقول أحد أصدقائي، ممن استقدم سائقاً مؤخراً، بعد رفض لسنوات وتردد طويل، وخوف من التهرب من مسؤولية البيت، يقول بأنه اكتشف أن وجود السائق في البيت أهم من أديسون مكتشف الكهرباء ومصباحه في القرن التاسع عشر، فهو قد منحه فرصة التمدد والاسترخاء في الاستراحات والتسكع في الطرقات والثرثرة في المقاهي، وللمرة الأولى يشعر بأنه سيد مطاع، ليس لأنه لا يرفض له طلباً، بل لا يسأم حتى لو أرسله كل دقيقة يجلب له جريدة من السوبر ماركت، يا له من اكتشاف!
هذا الصديق الطريف، اكتشف أن زوجته خدعته طوال سنوات، حين أصبحت تدير البيت بنظام الريموت كنترول، أعني الخادمة التي تكنس وتغسل وتطبخ وتنفخ، بل أحياناً تعمل المساج لها، وقد تمارس الرياضة نيابة عنها، كما فعلت الممثلة الكوميدية هيا الشعيبي، حين جعلت خادمتها تركض على السير الكهربائي، وصارت تلهث نيابة عنها!
الجديد في الأمر هو السوق السوداء للخادمات، وكأنها سوق رقيق بطريقة القرن الواحد والعشرين، هذه السوق تزدهر في المواسم والمناسبات، ففي رمضان تنتشر بين الناس أسماء سماسرة الخادمات وأرقامهم، ويصبح أحدهم أهم من موظف الخطوط السعودية مطلع الصيف، أو ربما أهم من موظف قبول وتسجيل إحدى الجامعات، أرقام جوالاته مشغولة، يرد من طرف أنفه، أكثر جملة يرددها: «إذا مو عاجبك فيه ألف واحد غيرك في الانتظار!».
هؤلاء المتنمرون يغالون بأسعارهن الشهرية أو اليومية، وأحياناً يقومون بتأجيرهن بالساعات، فالشهر بثلاثة آلاف، واليوم يتراوح بين ستين ومائة ريال، والساعة بعشرين ريالا، وهكذا، ولا أعرف هل تتم هذه الأمور بغفلة من الرقابة على مخالفي أنظمة الإقامة والعمل، أم هو تغافل بقصد، لأن سماسرة الخدم يملك كل منهم عدداً وافراً من (الرؤوس) جاهزة للتسليم بنظام الأجرة، ويعرفهم الجميع، ولا أحد يعترض أو يحتج على فوضى السوق وجنونها.
ولعل أطرف ما في الموضوع، ما جاء في صحف محلية نشرت تحقيقات مع هؤلاء السماسرة، يقول تن تن «لدي كثير من الخادمات من الجنسية الإندونيسية، والأسعار تختلف، فمن تجيد الطبخ يصل مرتبها إلى 2000 ريال، و1500 إذا كانت من غير طبخ وتكتفي بالتنظيف». أما الوسيطة الإندونيسية «موني» فتخبرنا بأن أجور الخادمات خلال رمضان تختلف عنها خلال الأشهر الأخرى، وكذلك مهارات الخادمة تحدد سعرها، إضافة إلى عمولة السمسرة التي تتراوح بين 200 و500 ريال، ولا ننسى أجرة السائق 100ريال، وهو الذي يوصلها إلى بيت الزبون، فهي خادمة تصل إلى المنزل بنظام التوصيل السريع، ولا أعتقد أن هناك بلداً مثلنا لديه خدمة «الدلفري» للخادمات، وليس للوجبات السريعة!
أما أخطر ما في الموضوع، فهو إغراءات السماسرة للخادمات النظاميات وتحريضهن على الهرب من منازل كفلائهن، وخطورة هؤلاء المخالفات للأنظمة عند دخولهن لمنازل غريبة لأيام أو لساعات، والآثار الأخلاقية التي تحدث خلال هذه الساعات، فضلاً عن السرقات المحتملة، خاصة أن هؤلاء السماسرة يغيّرون أرقام هواتفهم المحمولة كما يغيرون ثيابهم!
ما الذي أوصلنا إلى هذه الحالة النادرة والغريبة، فالمواطن يتضرر من أنظمة العمل المشروعة وغير المشروعة، والعمالة أيضاً يعيشون حالة لا إنسانية، لا تقرها الأديان ولا المبادئ ولا منظمات حقوق الإنسان، فهل نحن جزء من اللعبة الخطرة تلك؟ هل نحن من أوجدها؟ ومن شجّع على تضخمها؟ أظن ذلك.