قبل أن تسافر بالإجازة الصيفية هل فكرت في مستوى سعادة سكان البلد الذي ستتوجه إليه؟ وإذا كان لذلك أهمية بالنسبة لك فما هو مقياسك لتقدير مستوى السعادة هناك؟ هل هي تجربتك الشخصية أم انطباعك العام أم دعاية سياحية أم أشياء أخرى؟
يُقر جميع الباحثين أن القياس صعب جداً، لأن السعادة حالة ذاتية تختلف بين الأفراد، بعض الناس سعداء عندما تمطر وبعضهم عندما تُشمس. فكيف يتم القياس؟ مركز جالوب العالمي للاستطلاعات ربط السعادة بالرفاهية مستطلعاً آلاف الردود من 155 بلدا بين عامي 2005 و2009 والتي نشرت نتائجه الأسبوع الماضي.
أظهر الاستطلاع أن الدول الإسكندنافية وهولندا حصلت على المراتب الأولى، معتمداً على نوعين من الرفاهة. الأول سؤال للمستطلعين حول الرضا العام لحياتهم ودرَّجها من 1 إلى 10. والثاني حول شعورهم في الأيام الأخيرة من ناحية الراحة والاحترام والخلو من الألم. وقد وجد الباحثون أنه رغم مقولة «المال لا يشتري السعادة»، فثمة صلة وثيقة بين الرضا عن الحياة والدخل، فالتقرير وجد أن الدنمرك أسعد بلد في العالم، حيث معدل الدخل للفرد بالسنة 36 ألف دولار في عام 2009، وهو من أعلى المعدلات في العالم.
إلا أن الباحثين أبدوا دهشتهم من أن المال لم يُظهِر تأثيراً على الإطلاق عندما طلب من الناس تقييم حياتهم! فهناك ما هو أكثر أهمية من الغنى للحصول على السعادة، ففي حين أن الدخل أثر بلا شك في السعادة، فإن ذلك كان لنوع معين من الرفاه، وهو عندما يشعر المرء بانعكاس نجاحه الخاص على آفاق مستقبله. فالمرجح، حسب التقرير، أن السعادة اليومية مرتبطة بكيفية تلبية الاحتياجات النفسية والاجتماعية، وتلك من الصعب تحقيقها عبر الرصيد المالي.
خذ كوستاريكا مثلا، فهو السادس كأسعد بلد في العالم حسب الاستطلاع، وهو أسعد بلد في الأمريكتين، متفوقاً على الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وكندا. ذلك لأن العلاقات الاجتماعية في كوستاريكا حميمة، مما يسمح للأفراد أن يشعروا بالسعادة مع مصيرهم، بغض النظر عن النجاح المالي، حسبما أوضح هارتر الباحث الرئيسي، الذي يرى أن الشعور بالسعادة أكثر تجريدا من تلك التي تسهم الثروة فيها.
وكان البروفيسور فينهوفن من جامعة روتردام أوضح أنه رغم أن السعادة مسألة ذاتية جداً صعبة القياس، فالمهم إجرائياً هو الإجابة على سؤال: «ما هي درجة سعادتك؟» عبر درجات من 1 إلى 10. وقد أصدر قائمة بأسعد البلدان حصلت فيها الدنمرك أيضا على المركز الأول، تلتها سويسرا ثم النمسا، فيما نالت الولايات المتحدة المرتبة 17 وبريطانيا 22 وفرنسا 39 والصين 44 تلتها الهند ثم اليابان.
الاستطلاعات ليست قليلة مثل تلك التي نشرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس، وتلك التي أجرتها جامعة ماتشجن الأمريكية، وما قامت به جامعة ليستر البريطانية، وما أصدره استطلاع مركز (World Values Surveys) عام 2008. والفروقات بينها ليست كبيرة، فغالباً ما تتربع الدنمرك بالمرتبة الأولى وتنال بقية البلدان الإسكندنافية على المراكز المتقدمة. ولأخذ صورة عامة تندرج بها دول عربية من الاستطلاع الأخير بين 99 بلدا، كان ترتيب الولايات المتحدة 16وبريطانيا 21 والسعودية 26 وألمانيا 35 وفرنسا 37 واليابان 43 والصين 54 والأردن 57 وإيران 64 والهند 69 والجزائر 72 ومصر 74 والعراق 93.
أكثر الدراسات لفتاً للانتباه كانت من أدريان وايت المحلل النفسي والاجتماعي من جامعة ليستر الذي رسم عام 2006 أول خريطة للعالم عن السعادة، متدرجة بالألوان، مستخدماً مجموعة ضخمة من الإحصائيات والمسوحات من بينها بيانات اليونسكو ووكالة الاستخبارات الأمريكية، بالإضافة إلى ردود ثمانين ألف شخص حول العالم. هذه الدراسة الأوسع شمولية، أظهرت أن الصحة والتعليم لا تقلان أهمية عن الثروة في جلب السعادة. وجاءت الدنمرك الأولى بعدها بلدان أوروبية أخرى، هي سويسرا والنمسا وأيسلندا، في حين قبعت الكونجو وزيمبابوي وبوروندي في القاع.
أما الدول العربية في تلك الخريطة العالمية، فقد أتت الإمارات في المقدمة عربياً وبالمرتبة 29 عالمياً، تلتها عمان (30) ثم السعودية (31)، ونالت البحرين المرتبة 33 وقطر 45، بينما انحدرت مصر والسودان لمؤخرة البلدان العربية حسب تدرجات الألوان في الخريطة، (العراق والصومال وموريتانيا لم يشملها المسح).
ويذكر وايت أن حجم السكان يلعب أيضا دورا مؤثراً. إذ تميل البلدان الأصغر حجماً مع قدر أكبر من التماسك الاجتماعي وقوة الشعور بالهوية الوطنية لتسجل أفضل، على خلاف البلدان الأكثر سكانا، فجاء ترتيب الصين 82 واليابان 90 والهند 125. أما بريطانيا التي حصلت على مرتبة 41، فقد خلص مسح قامت به بي بي سي أن 81% من سكان بريطانيا يفضلون أن تجعلهم الحكومة أكثر سعادة من أن يكونوا أكثر ثراء! وللمفارقة، يستنج وايت بأن الاعتبار الحالي لمستويات السعادة في بريطانيا قد يشكل بحد ذاته حالة من القلق أيضاً! بمعنى أن الاهتمام المبالغ فيه بالسعادة قد يجلب عدم السعادة!!
وقد وجدت الدراسة أن النظام الرأسمالي له دور إيجابي، رغم كثرة ما يلقى اللوم على السوق الحرة وما تجلبه من تعاسة بسبب انعدام الأمن وشراسة المنافسة. فالولايات المتحدة تحظى بموقع متقدم نسبياً (23)، وكذلك البلدان الإسكندنافية التي حصلت على المراتب الأولى رغم أن رأسماليتها ممزوجة بنكهة اشتراكية.
أما المفاجأة بالنسبة لوايت فهو الترتيب المتأخر للبلدان الآسيوية الكبرى: الصين واليابان والهند.. يقول وايت متعجباً: «هذه البلدان يُعتقد أن لديها إحساس قوي بالهوية الجماعية التي ربطها باحثون آخرون بالرفاهية (المفضية إلى السعادة)!». ويعترف وايت بأن السعادة عسير قياسها، لكنه يدافع عن بحثه لأنه يتركز على الرضا عن الحياة بدلا من الانطباعات العاطفية السريعة.
ختاماً، لعلنا نتذكر عبارتنا العربية القديمة: «اليمن السعيد» فيما يقبع اليمن في ذيل القوائم الإحصائية، ونتساءل من أين حظي بالسعادة؟ من الرفاهية آنذاك أم من التماسك الاجتماعي أم حالة غامضة توفرها العزلة بين جبال وعرة شامخة يداعبها مطر ناعم وهواء طلق لطيف، جعلت من اليمني شامخاً طلق المُحيا لطيفاً أمام كافة المصاعب الوعرة!؟ وجعلت من السعادة حالة مراوغة تفر عن القياس!
alhebib@yahoo.com