في لقاء علمي جمع نخبة من أعضاء هيئة التدريس في إحدى الجامعات، وعدداً من التربويين العاملين في ميدان التعليم العام، دار نقاش غلب عليه انفعال غير مبرر، وتعال متكلف، من الأساتذة الجامعيين حول العديد من القضايا والمشكلات التعليمية التي تثير حفيظة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، ومما استأثر بالنقاش وطغى عليه ضعف التحصيل الدراسي لطلاب التعليم العام الذين يلتحقون بالجامعات، وكان مأخذهم على الجهات المشرف على التعليم العام تساهلها في منح هؤلاء الطلاب شهادات تخرج وهم بهذا الضعف العلمي البيّن الذي لايؤهلهم لمواصلة الدراسة في الجامعات، وهم بهذا الاستنتاج يعدون القادة التربويين في مؤسسات التعليم العام متساهلين مفرطين في تحمل مسؤوليتهم العلمية والوطنية.
أقر المشرفون التربويون بالضعف، وأنه مدرك معلوم لديهم بصفتهم يقفون على النتائج، يحللونها ويدرسون الأسباب المفضية لها، وأوردوا بناء على ذلك العديد من المسوغات، منها ما هو داخل المدراس ومنها ما هو خارجها أدت جميعها إلى ضعف تحصيل الطلاب، وأوضحوا أن دور التعليم العام الرئيس يتمثل في تزويد الطلاب بالمعارف العامة المتنوعة التي تهيئهم للبدء في مرحلة الدراسة الجامعية، وهي مرحلة دراسية جديدة مختلفة تماما عن التعليم العام (بيئة وأسلوب تعلم) تحصل فيها المعارف والعلوم المتخصصة العميقة التي تمكن الطلاب وتؤهلهم للحياة العملية والعلمية.
لاريب أنه يبدو على طلاب التعليم العام عموما ضعف علمي ظاهر، سواء في تمكنهم في تحصيل المواد الدراسية، أوفي تحقيق مستويات متقدمة في سلم الدرجات، ولهذا أسبابه العديدة التي يأتي في مقدمتها (المعلم)، فقد تم تمكين العديد من الخريجين الجامعيين في تخصصات بعيدة كل البعد عن المجال التعليمي، أي أنهم غير مؤهلين أصلا للتدريس، لا علميا ولا تربويا، وهذا وزر تتحمله وزارة التربية والتعليم ووزارة الخدمة المدنية عندما وافقتا على السماح لهؤلاء الخريجين ومكنتهم من الالتحاق بمهنة التدريس، تحت ذريعة مشحونة بعاطفة «السعودة»، وزاد الطين بلة وبلوى ضعف الإمكانات المالية المخصصة لإعادة تأهيل هؤلاء المعلمين الذين أقحموا قصرا في مجال لايحسنون أبسط أدبياته، وتدريبهم على أساليب التدريس وطرائقه وقيمه وأخلاقياته، وتكثيف عمليات المتابعة التربوية الميدانية بقصد مساعدة هؤلاء المعلمين الذين أطلق عليهم في حينه «معلمو الضرورة».
لقد عانت وزارة التربية والتعليم تحديات عديدة ومازالت في اختيار المعلمين، وكان أعظم هذه التحديات إلزامها بتمكين معلمين غير مؤهلين أصلا للتدريس، وكان لهذا الإلزام تبعاته وانعكاساته التربوية والعلمية التي ظهرت مؤشراتها حاليا على تحصيل الطلاب وسلوكاتهم، لكن ما هو معلوم أن الجامعات ليست ملزمة بقبول الطلاب الذين لايمكنهم تحصيلهم الدراسي، أو قدراتهم الذهنية على مواصلة الدراسة الجامعية، هذا نهج معروف مسلم به في السابق ومازال، أما الآن فقد لجأت كل الجامعات إلى إجراء اختبارات قبول وقدرات لفحص الطلاب وفرزهم، قبل تمكينهم من الدراسة في السنة التحضيرية التي تسبق الدراسة الجامعية، وهي بهذا الإجراء تقبل من مظنة القول إنه يتمتع بقدرات ذهنية واستعداد علمي لمواصلة الدراسة الجامعية واجتياز معايير التخرج فيها، وهي حتما معايير عالية.
أمام هذه الحقيقة، ماذا يقول أعضاء هيئة التدريس المحترمين الذين أجازوا تخرج أعداد كبيرة من الطلاب الذين أخفقوا في الاختبار الذي أجراه مركز القياس والتقويم؟
أخفق 42 % من الجامعيين المتقدمين لاختبار المعلمين المرشحين للتدريس في وزارة التربية والتعليم، كيف أجيز تخرج هؤلاء؟ من يتحمل نتيجة إخفاقهم؟ من المسؤول عن الهدر المالي الذي صرف على سنوات دراستهم؟ ما مصير هؤلاء؟ قائمة من الأسئلة تطول أمام العديد من الاحتمالات المترتبة على هذه النتيجة المؤسفة، وتحتاج إلى وقفة جادة وجريئة من وزارة التعليم العالي لتصحيح المسار، وإيقاف الهدر المالي والبشري الذي سيفضي إلى كوارث وطنية إن بقيت الحال على ماهي عليه.
وتحية وطنية حارة لأعضاء هيئة التدريس الذين لايسألون عما يفعلون بحجة أنهم يستظلون بعباءة العصمة التي يتمتعون بميزاتها في أنظمة التعليم العالي.