الرياض - خاص بـ (الجزيرة)
تعرّض - ولا يزال يتعرّض - القرآن الكريم لمحاولات الدس والتزوير والتزييف من العديد من المواقع الإلكترونية على شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، ولاشك أن هذا التزوير له أخطاره الشديدة على الفرد المسلم، وعلى الأسرة والمجتمع والأمة، وقد يؤدي بالبعض للانحراف لا سمح الله، وقد لا يستطيع البعض تمييز الخلل أو الخطأ، وهذا يحصل كثيراً، وخصوصاً أن هناك الكثير من المسلمين لا يعرفون الكثير من أمور دينهم لأسباب عديدة.. مما يطرح العديد من التساؤلات منها: أين دور المؤسسات والهيئات الإسلامية ذات الصلة بالعمل الإسلامي؟ بل أين العلماء والدعاة وطلبة العلم، والمواقع الإسلامية على الشبكة العنكبوتية من هذه القضية الخطيرة والحساسة؟ وكيف يمكن مواجهتها، والتصدي لمرتكبي تلك الأعمال؟
مناصبة العداء
بداية يؤكد المهندس عبد العزيز بن عبد الله حنفي - رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة جدة: أن التعرّض للقرآن الكريم ليس حالة جديدة تستدعي التأمل والتعجب، بل هو موقف اتخذه أعداء الإسلام منذ أول مرة سمعوا فيها القرآن الكريم وعرفوا أنه الحق قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت.
وهؤلاء الذين يتعرّضون للقرآن الكريم بالدس والتزوير والتزييف عبر المواقع الإلكترونية وغيرها، لا ينطلقون من جهل بالقرآن الكريم، بل هم على علم تام به وبآياته وربما أكثر معرفة من بعض معتنقيه ويدركون إلى ما يدعوا، لكنهم يناصبونه العداء، فقضيتهم مع القرآن والإسلام قضية وجود وقضية حضارة فكيف يمكنهم التأثير على أجيال المسلمين ومسخ هويتهم وأخلاقهم وطهارتهم بوجود القرآن.
إن على الأمة الإسلامية حكاماً وأمراء وعلماء ودعاة وطلبة العلم، التصدي لمثل هذه الحملات المعادية التي تحاول الدس والتزوير في كتابه العزيز الذي حماه من كيد الكائدين، فقال سبحانه وتعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (42) سورة فصلت.
إن هذا التصدي لما يمس القرآن الكريم من محاولات للتحريف والتدليس فرض على كل مسلم حتى يكون من زمرة الذين سيحفظ الله بهم القرآن الكريم، ذلك لأننا مؤمنون بأن الله سيحفظ كلامه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بنا أو بغيرنا.
ونصيحتي للفرد المسلم أن لا ينخدع ببعض تلك المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت بما تقدمه من نصوص قرآنية بعضها محرف وأن يستقي نصوص القرآن الكريم من الجهات الرسمية الموثوقة مثل موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة على الإنترنت وكذلك التواصل، بين مجمع القرآن الكريم لطباعة المصحف والمدارس والمراكز الإسلامية في العالم الإسلامي وتزويدهم بنسخ من القرآن الكريم وربطهم بموقع المجمع على الشبكة العنكبوتية، وكذلك بعض الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالمملكة التي لها مواقع إليكترونية، والتي عليها دور مهم في فضح المواقع الإلكترونية المشبوهة والتي تتعرّض للقرآن الكريم كذلك أهمية الدور التنويري على علمائنا الأفاضل (بارك الله فيهم) والدعاة والإعلام من أجل تنبيه المجتمع بجميع فئاته إلى خطورة وحساسية التطاول على القرآن الكريم للتصدي للمواقع الإلكترونية التي تقوم بالتزوير والتزييف، وكذلك على مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أن تقوم بحجب هذه المواقع الإلكترونية التي تتعرّض للقرآن الكريم بالتشويه والدس والتحريف.
التصدي للتحريف
ويشير د. محمد سالم بن شديد العوفي - الأمين العام لمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، إلى أن شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) تعد من أهم الوسائل المتاحة لتطبيق التقنيات الحديثة؛ نظراً لإمكاناتها الهائلة في الاتصال ونقل المعلومات، لما تمتاز به من سرعة الزمن وقلة التكلفة حتى إلى أبعد الأماكن على وجه المعمورة، فضلاً عما وفّرته من جو تعليمي لدى عدد من الدارسين بشتى فئاتهم العُمْرية، بالإضافة إلى أن (الإنترنت) غدا المصدر المفضل والأكثر استخداماً للحصول على المعلومات عند شريحة كبيرة جداً في المجتمع.
ومع عموم هذه الوسيلة في الاتصال وتبادل المعلومات دخلها المصلح والمفسد، وتأسست في هذه الشبكة مواقع عديدة هدَّامة تخصصت في الطعن في القرآن الكريم، وبذر الشبه والترَّهات حوله؛ مما يؤكد خطورة الأمر، وحرص أعداء الإسلام في توظيفها لمحاربة القرآن الكريم وما يتصل به؛ لزعزعة الإيمان في نفوس أهله، ولإثارة الشبهات والشكوك في قلوب من يحاول الدخول في الإسلام، ولتهيئة المناخ لأصحاب المبادئ الفاسدة، لترويج بضاعتهم الكاسدة، وبث بذور الإلحاد، والانحراف، والميوعة في أوساط المسلمين.
وحاولت تلك المواقع توجيه مغامز ظاهرة وخفية لكتاب الله العظيم، مثل: ادِّعاء أن فيه زيادة ونقصاً، ووجود اختلاف في النص القرآني، ودعوى تأثره بالكتب السابقة، واتهامه بإثارة قضايا العنف والإرهاب، وبسلب حقوق المرأة، وغير ذلك من الادعاءات والافتراءات المبثوثة على صفحات الويب.
ولا شك أن هذه الهجمة الشرسة قابلها ردود متباينة مشكورة من قِبل المؤسسات والهيئات القرآنية المتخصصة، ومن قبل المواقع الإسلامية وبعض الجهود الفردية الغيورة؛ لتصحيح الصورة القاتمة التي ولّدتها تلك الكتابات المشبوهة في مواقع الإنترنت.
وفي هذا المجال من المناسب تأكيد جملة من المواصفات للقائمين بأعباء مهمة الردِّ على حملات التشويه للقرآن الكريم، نحو الاقتناع بجسامة المسؤولية، وانتخاب الطريقة المناسبة لعملية الرد على هذا السيل العارم من المغالطات تُجاه كتاب الله الكريم، وتوضيح الصورة الناصعة للقرآن الكريم، ومقاصده النبيلة، وتشريعاته السامية بالتي هي أحسن، وضرورة مراعاة العقلية غير المسلمة، ونمط التفكير الغربي، مع تجنب أسلوب الانفعال والحماسة، وسلوك أسلوب الإقناع والحوار.
سبل المواجهة
ويكشف د. العوفي السبل التي يمكن اتخاذها لمواجهة هذا السيل الداهم، ومنها: استثمار الفضاء الإعلامي بشتى صوره، لمواجهة الصورة الخاطئة التي ولّدتها المواقع المشبوهة، والعمل على استغلال شبكة الإنترنت من خلال النَّشْر المكافئ فيها عبر المواقع المتخصصة، لتبديد الصورة السلبية التي تم نسجها عن القرآن الكريم في مصدره، ومقاصده، وتعاليمه، وتكثيف تنظيم المؤتمرات والملتقيات والمناظرات؛ لتوضيح المفاهيم والقضايا القرآنية الأكثر نقاشاً وتأثيراً في الطبقات المثقفة، نحو: (العنف، الإرهاب، الجهاد، التطرف، مكانة المرأة في القرآن، حقوق الإنسان ...)؛ للتعريف بها على الوجه الصحيح؛ مما يؤدي إلى تصحيح الأفكار وتقويم الآراء والمعلومات حول القرآن الكريم، وتحصين جيل المسلمين الجديد ضد هذه المحاولات سواء بالتدريب على استخدام تقنيات الإنترنت ومتابعتها، أو الوقوف على أحدث ما يستخدم من وسائل المواجهة العقائدية، والتعرف على كل ما يستجد من تطورات في هذه المجالات الإعلامية وثورات الاتصالات والبث؛ بحيث تسهل المتابعة والملاحقة والوقوف الجاد في وجه الموجات المتتابعة من الهجوم على القرآن الكريم، وإيراد أقوال لمشاهير علماء الطب والعلوم الكونية الغربيين حول القرآن الكريم، الذين يشهدون له بالرفعة والعلو، وأنه من عند الله تعالى، والإفادة من جوانب إعجاز القرآن الكريم؛ لبيان أوجه الإعجاز السامية في آيات الكتاب العزيز؛ مما يعزِِّز كمال القرآن الكريم وعظمته وسموه، وتوجيه بعض الدراسات والبحوث لنقد بعض مواقع الإنترنت المناهضة للقرآن الكريم بصورة مباشرة، مما يؤدي إلى تعريتها والحذر منها، وإبرازها على صورتها الحقيقية.
حملات قديمة
ويوضح د. إبراهيم بن سعيد الدوسري - الأستاذ في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بالرياض: إن تعدد وسائل الاتصال وسرعتها المذهلة وقدراتها الفائقة، يعد نعمة جليلة تستوجب شكر الله عز وجل وتوظيفها في خدمة الإنسان ونشر الوعي وبذل الخير، في حين أنه يغري بعض النفوس الضعيفة وأصحاب الأهواء على استغلالها في الدس والتزوير والتزييف والتحريف والطعن في القرآن الكريم.
ولا شك أن الحملات على القرآن الكريم تعد قديمة قدم نزول القرآن الذين قال عنه صناديد المشركين - فيما يحكيه عنهم القرآن {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} (26) سورة فصلت، ثم تتابع أذنابهم مستغلين كل ما في مكنتهم لتحقيق مآربهم لعلهم يغلبون، حتى إذا جاءت هذا التقنية العالية وجهوها نحو أهدافهم الخسيسة.
وأرى أن مواجهتهم تتمثل فيما يلي: تثقيف المسلمين وغيرهم عبر المواقع الإلكترونية وغيرها بالقرآن الكريم وتوعيتهم بما فيه من أحكام وحكم قيمة وقيم راقية، وقيام المؤسسات والهيئات العلمية الدينية بدورها نحو هذا الأمر الخطير، وتخصيص وحدات فنية وعلمية لهذا الغرض، ومطاردة تلك المواقع لدى الهيئات المعنية حقوق العامة والخاصة لكبح جماحها والتصدي لها.