الزواج آية من آيات الله، وسنة نبوية، وضرورة اجتماعية، ومطلب نفسي، ولا يشك في ذلك عاقل، ولكن المشكلة في عقول متحجرة، وأفهام منحرفة، وآراء منتكسة، يحملها أناس لم يدركوا أهمية الزواج، ولم يستشعروا حاجة من هم بحاجته، بل لم يبالوا بأمر إلهي، ولا بتوجيه نبوي، ولا بفتنة في الأرض ولا بفساد عريض.
كثير هم الذين يجعلون الزواج عقبة كئوداً، وأمراً مستحيلاً، وأمنية صعبة، أمام أكثر الشباب ذكوراً وإناثاً، ومبرراتهم ما هي إلا أسباب جاهلية، وأعراف قبلية، وعادات سيئة، وطمع خطير وانعدام ضمير، والنتيجة الفتنة والفساد العريض الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى أزمات نفسية، وأمراض عضوية، عند كثير من الشباب وخاصة الفتيات.
إن في بيوت كثيرة نساء، لا أقول فتيات، فقد تجاوزن أن يقال لإحداهن فتاة. بلغن الخامسة والثلاثين من العمر، وآباؤهن يضعون شروطاً معقدة لزواجهن، ما أنزل الله بها من سلطان، فكان لذلك بالغ الأثر على نفوسهن وأجسادهن، أمراض متنوعة، وعلل متعددة، ضغط وسكر، صرع وتشنج، آهات وحسرات، تكاد الواحدة تنفجر لولا حياؤها وخجلها، وحسن ظنها وسلامة نيتها.
إن قضية تعقيد الزواج، وما يفعله كثير من الناس، من مبالغة في المهور، ورد للأكفاء، وإسراف وتبذير في الولائم، لأشياء مرفوضة في المجتمع، وهي حديث الناس في مجالسهم، وكل يتمنى أن لو قضي عليها وانتهت من الوجود، ولكن ذلك وللأسف مجرد حديث مجالس، يتسلى به بعضهم في مجالسه، وبعضهم يزعم أنه ممن لا يرضى بمثل هذه الأمور، ولكن واقعه يكذب زعمه، ففي مجال الزواج، تجده من الذين يقولون ما لا يفعلون، فإذا تقدم شاب لخطبة فتاة، تأمل كم يمضي من الوقت للسؤال عنه، عن حسبه ونسبه، عن راتبه ومرتبته، عن أخواله وأعمامه، أحدهم سأل خاطباً -وكنت حاضراً- عن أول رجل في قبيلته، متى قدم إلى هذه البلاد، وبعد الخطبة تعال انظر إلى ما يطلبه بعضهم من مهر، الذي يقرره غالباً النساء، حيث يوكل الأمر إلى النساء، فيحضرن دفتراً وقلماً ويجلسن يحسبن تكاليف الزواج، وما هو إلا كتب على ورق فلا يكلفهن شيئاً، ولكنه على حساب الزوج المسكين الذي راتبه لشهر كامل يعادل قيمة فستان العروس لليلة الزواج، فيكلفن أفضلهن خطاً لتكتب وهن يملين، وكل ما طرأ على إحداهن شيء قالت اكتبي يا فلانة: المغنيات والحلويات والعصيرات، وغير ذلك مما صارت تكاليفه عقبة في طريق الزواج.
فلنتق الله ولنعمل على تيسير الزواج والإعانة عليه، ولنحذر ما يفعله غوغاء الناس وسفهاؤهم، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.