يمثل شباب الجامعات نسبة عالية من الشباب، وهم لهم أحاديثهم واهتماماتهم في وقت الدراسة وفي العطلة الصيفية، فأحاديثهم في وقت الدراسة تتناول مادة الدراسة والأستاذ، فهذه مادة صعبة وهذا أستاذ لا يعطي درجات،
وعليّ أن أسجل في مادة كذا عند الأستاذ الذي لا يبخل بالدرجات، فالحديث يتعلّق بالنجاح والرسوب والمعدّل، فهذا ارتفع معدّله وهذا انخفض معدّله، وقد زاحم كأس العالم بحديثه المتشعب الحديث في المادة والأستاذ والاختبارات، ففرضت الكرة الحديث فيها، وطغت أخبارها على أخبار الساسة والتفجيرات، وأصبحت هي حديث المجتمع، إذاً ألا يحق للشباب، وهم الذين يمارسون اللعب في وقت فراغهم، أن يتحدثوا في الكرة وفي أبطال الكرة، لقد سيطر الفن الكروي على عقول الكثيرين ومنهم شباب الجامعات الذين شغلهم كأس العالم في أيام اختباراتهم عن المذاكرة، فالمشاهدة لها وقتها والحديث له وقته، ومع بداية العطلة الصيفية أصبح الحديث عن أبطال الكرة مقدماً على غيره، والتنبؤات بمصير الكأس مادة صالحة لتفريع الحديث ليمتد إلى السحرة والمشعوذين وماذا قالوا في مصير الكأس، وانقضى كأس العالم وعرف مصيره وصفّق الفائزون وبكى الخاسرون، وانتقل الحديث الشبابي إلى التوظيف في العطلة الصيفية، أقول التوظيف في العطلة الصيفية لأنّ الأكثرية من شباب الجامعات يقبلون على العمل للانتفاع بالمكافأة من جانب، وليكتسبوا الخبرة من جانب آخر وليربطوا دراستهم بالعمل المستقبلي، إنها فكرة رائعة، فهي تدعم الشباب من الناحية المالية، وتحفظهم عن التسكُّع والضياع وتكسبهم الخبرة في العمل، وتربط العمل بالدراسة، لقد تناول حديث الشباب الغرفة التجارية فأشاد بها وبإنجازاتها في هذا الجانب وأنها تلزم الشركات بعمل الطلاب لديها، فهي مرجعية جادة في الحث على العمل عامة ثم الحث على عمل الشباب خاصة، لقد سمعت إشادة بالغرفة ولم أسمع انتقاصاً لها، فالعمل الجاد يشق طريقه وينبئ عن نفسه، وهكذا بنت الغرفة التجارية سمعة حسنة لنفسها في أوساط الشباب. ويتحوّل الحديث من الإشادة بالغرفة التجارية إلى الحديث عن الشركات، فزميلنا فلان ذهب إلى شركة كذا وقبلوه وقالوا له أحضر آخر الشهر واستلم الراتب، وتشعب الحديث في الزملاء وأنهم يأخذون رواتب بدون عمل، فبعض الشباب أشاد بالشركات التي تمنح مرتبات بدون عمل، وأنه أُرسل من قِبل الغرفة إلى شركة كذا التي اعتذرت له لأنها اكتفت فقد سجلت تسعة طلاب تصرف لهم رواتب بدون عمل، وقد انتقل الحديث إلى زميل آخر يعارض فكرة صَرْف المرتبات بدون عمل، فقال إنّ ذلك يشجع على كثرة الوافدين الذين يبلغون الآن سبعة ملايين وافد، فقد امتلأت الشوارع بالعمال الذين يطلبون العمل ومنها شارع البطحاء وشارع الأبراج وشارع المدينة وشارع هشام بن عبد الملك وشارع الأمير نايف وغيرها في الشفا والنسيم والنظيم، فالمملكة اليوم مقصد للباحثين عن العمل، هذا هو حديث الطلاب في هذه المسألة. وإذا أردنا أن نسلّط الضوء على حديث الطلاب، فعلينا أن نناقش عمل الشركات تجاه شبابنا، فالشركات إنما هي لرجال الأعمال الذين يديرون دفة المجتمع فكيف يكذبون وكيف يربون شباب المملكة على الكذب، إنّ الكذب مطيّة الفساد، وقد نهى ديننا الحنيف عن الكذب ونهى عن الفساد، فالمقررات الدراسية في جميع المراحل تحث على الصدق، فإذا فتح الشاب عينيه على ما يجري في المجتمع أصيب بالإحباط، واختلطت الأمور أمامه، فأين الحرام وأين الحلال وأين الفضيلة وأين الرذيلة.. أهي في الكتب فقط أم ماذا؟؟، لقد عانت مدينة جدة من الكذب في العقود وعانت من الفساد الذي استشرى بين العاملين في المصالح الحكومية والشركات المنفذة للمشاريع، وكانت نتيجة الكذب والفساد إزهاق الأنفس وتلف الممتلكات في الكارثة التي أصابت المدينة في آخر العام الماضي.
إنّ مسألة تسجيل الأسماء من قِبل الشركات ومنح أصحابها رواتب وهم لا يعملون، جديرة بالمناقشة من أصحاب الفكر عامة، بل إنني أرى نقل هذه المسألة إلى مجلس الشورى ليناقشها ويضع لها الحلول التي تتيح للشباب العمل الجاد واكتساب الخبرة، والاحتكاك بالعاملين من أصحاب الخبرة الطويلة في مجال العمل الذي ابتدأ فيه الشاب، إنّ عمل الشاب لفترة قصيرة يعود بعدها إلى مقاعد الدراسة لهو ربط بين الدراسة وممارسة العمل، وهو تأهيل للشاب وفتح باب العمل له حال تخرجه من كليته، فنحن بحاجة إلى إحلال السعودي محل الوافد في مجالات مختلفة.
لقد تقدم الغرب بسبب احترام المبادئ الخيرة، وتأخرنا لأننا لم نلتزم بمبادئ ديننا الحينف الذي يحذّر من الكذب، ولم نلتزم بالمبادئ الدنيوية التي جرّبت في المجتمعات المتقدمة وثبتت فاعليتها. إنّ فتح باب الاستقدام على مصراعيه إلى الأبد مدمر لبلادنا، فبلادنا اليوم ورشة عمل يفد إليها الأمي ونصف المتعلم والمتعلم فيرجع إلى بلاده وقد اكتسب الخبرة لأنه يخطئ في عمله ولا يحاسب، فإذا كان الوافد يدرَّب فلماذا نبخل بالتدريب لأبناء وطننا من شباب الجامعات الذين نتطلع إلى إحلالهم محل الوافد.
إنّ سَنّ القوانين لا يفيد إذا لم يكن خلفها تطبيق حازم يقول للكذاب كذبت ويقول للمفسد أفسدت فحقك السجن وحقك الغرامة وحقك التشهير. إنّ ّأصحاب الكذب ضجوا من حزم وزير العمل في تحجيم العمالة الوافدة للبلاد، فكيف لا يلتفتون إلى أعمالهم تجاه الشباب السعودي الطالب للعمل. إنّ حضارة أي أمة لا تبنى على الكذب، وإنما تبنى على الحق والفضيلة والصدق واحترام قوانين البلاد وعدم التحايل عليها، فأبناء الوطن جسد واحد يكمل بعضه بعضاً، فلا تبنى الأوطان إلاّ بأيدي أبنائها المخلصين.