الإجازة تحتاج إلى إجازة، قول يردده عادة المسافرون بعائلاتهم إلى خارج الوطن، وانسحب هذا القول حتى على من يسافرون وحدهم على الخطوط السعودية مع الأسف والحسرة، ولو كانوا ممن يركبون درجة الأفق والدرجة الأولى من عرق جبينهم. عادة ما ينتاب المرء شعور مزدوج من الراحة والعناء عندما ينوي السفر، إلا أنه يفترض أن العناء سينتهي عند ولوجه باب الطائرة ومن بعدها سينبذ الروتين الحياتي وضغط العمل. غالباً ما يكون للخطوط السعودية رأي آخر، فقد لا تركب الطائرة بتاتاً مع أن حجزك مؤكد، ولي تجربة مرة مع هذا الرأي فقد أقلعت طائرة إلى الطائف بدوني، حيث فشلت محاولاتي للحصول على بطاقة الصعود، وعندما رفعت الأمر لمعالي الرئيس، هاتفني أحدهم من العلاقات العامة معتذراً ومبرراً أن ذلك حدث بسبب تصغير الطائرة، وفي فهمك كفاية.
وقد تركب الطائرة فعلاً، ويتبين لك أنك لا تستطيع أن تسند ظهرك، فقائم الكرسي يميل إلى الخلف كلما حاولت ذلك، حدث لي ذلك على الدرجة الأولى، وعند إبلاغ رئيس المضيفين كان رده «ويش أسوي لك». في أحد المرات كنت أصطحب معي شنطة سفر ليوم واحد اعتادت المضيفات أن تضعها في دولاب طائرة الجامبو في المقدمة إذا لم تتوفر أماكن في الأرفف العلوية، إلا أن المضيف في تلك الرحلة رفض ذلك وطلب مني البحث عن مكان لشنطتي في أرفف الدرجة السياحية، وهدد بإخراجها من الطائرة إذا لم أفعل، رفعت شكوى وكان الاعتذار المعتاد.
في إحدى رحلاتي إلى أوروبا على الدرجة الأولى في الخطوط السعودية، زهدت في الأكل بعد أن رقصت دودة خضراء في طبق السلطة، خشيت على خطوطي الوطنية من الفضيحة، غطيتها وسلمتها لكبير المضيفين، الذي عاد لي ليقول بأنه كتب تقريراً عن ذلك، انتظرت شهراً لأتلقى اعتذاراً خاصاً يسر النفس على الأقل، فلم يحصل، تشجعت فكتبت إلى معالي الرئيس خاصة وأنه أحد معارفي الأعزاء، وكنت أتوقع إجراءً من النوع الثقيل، إلا أنني لم أتلقَّ حتى المكالمة الهاتفية المعتادة من إدارة العلاقات العامة.
ما تقدم غيض من فيض من أحداث بعد الولوج إلى الطائرة، ولكن المفارقة هي أن ردة الفعل على خطوط الطيران الأخرى لمثل هذه الأحداث غير ما دأبت عليه خطوطنا الوطنية. وصلت وعائلتي إلى مطار خليجي قبل الإقلاع بحوالي خمس وأربعين دقيقة، وكانت المفاجأة أن لا مقاعد، رغم حجزي المؤكد، استقبلني المدير المناوب واصطحبني إلى مكتبه، وأجرى اتصالاته ورتب لي مقاعد على طائرة خطوط أخرى، تقلع بعد ثلاث ساعات ومنحني تذاكر مجانية لي ولعائلتي ذهاباً وإياباً إلى لندن مع اعتذار شديد ووداع حار.
قصة أخرى للعبرة، فقد كنت عائداً إلى الرياض من دولة أوروبية على خطوط طيران أوروبية، تبين بعد الإقلاع أن شاشة الفيديو التي أمامي لا تعمل، أشعرت المضيفة وسرعان ما وصل كبير المضيفين، طلب مني التريث، ذهب وعاد وهو يحاول إصلاح شاشة العرض، وبعد أن فشل جاءني وجلس على ركبتيه معتذراً وأفادني بأن أحد الركاب على استعداد للتخلي عن مقعده لي إن أنا رغبت، كان جوابي، شكراً فلم يتبقّ من الرحلة إلا ساعات قد أغفو فيها. وقبل الوصول بقليل أعطاني بكل احترام واعتذار «voucher» بمبلغ يعادل 5% من قيمة التذكرة لشراء ما يروق لي من المبيعات على الطائرة. سأترك المقارنة في المعاملة لكم أعزائي متأكداً من أن في جعبتكم أكثر مما رصدت، متمنياً على الناقل الجوي الوطني أن يمد إحساسنا الوطني بما يبقيه حياً، وأن يتعامل مع ركابه بمستوى يليق بالخطوط السعودية، ويرقى إلى مستوى خدمات الخطوط المنافسة.
لا أدري كم من الزمن يحتاج ناقلنا الجوي الوطني للرقي بخدماته وتحقيق ما أتمناه له، ويتمناه معي القراء الأعزاء الذين أشكر لهم تواصلهم وأستأذنهم في أن أذهب في إجازة.