بالتأكيد أن هناك (فارقاً) ما بين مسؤول في المرور يتحدَّث عن نظام ساهر بحماس كبير ويشعرك حماسة و(كأنه) مندوب لشركة أو مسوق لمؤسسة يعمل على تسويق (نظام ساهر)، وليس مسؤولاً في المرور يبحث عن أفضل الحلول والأنظمة لضبط حركة السير في الطرقات... وفارقاً بين مسؤول في المرور لديه فكر فلسفة مرورية ويسعى إلى نشر أنظمة المرور ولوائحه باعتبارها ثقافة مجتمعية يمكن نشرها من خلال مدارس التعليم والجامعات وفي أجهزة الإعلام واللقاءات العامة، لأنه يؤمن أن تطبيق الأنظمة تتلازم معها منهجيتان، منهجية التوعية (المتسدامة) ومنهجية ضبط الشارع والطرقات... ومن هذه الفئة النخبوية في مرور الرياض العديد والكثر ولكنهم ليسوا بالواجهات الإعلامية أو أن الإعلام لا يصلهم، من أولئك العقيد هادي السبيعي من منسوبي المرور، هو من تلك الأصوات التي تؤمن بالحوار والتوعية وأهمية نشر أنظمة المرور بصفتها ثقافة تغذيتها راجعة بين المجتمع وإدارة المرور... لا أدعي أني كشاف للقدرات والنيرين والتنويريين لكن الصدفة قادت إلى حوار مباشر مع العقيد السبيعي جعلتني أتنبه إلى أهمية القيادات المثقفة التي قد تتحصل أو تأتي من تخصصات أخرى غير العلوم العسكرية والكليات الأمنية، ورغم أن العقيد السبيعي من المدرسة العسكرية إلا أنه يتمتع بحس تربوي ومنهج اجتماعي يمكنه من صياغة أفكاره المرورية بقالب فكري مدني لأنه يتعامل مع قطاع مدني متعدد الثقافات المعرفية.. فما زال المجتمع خاضعاً لتقسيمات معرفية متعددة: الأمية، والمتعلمة، والنخب، كما أن المجتمع تتعدد فيه التصنيفات الاجتماعية: الحاضرة، البادية (بادية الصحراء وبادية الجبال) والريفية (القرى والمزارع) والساحلية، وغيرها، ولكل فئة ثقافة محلية تتعامل مع الأنظمة على طريقتها يضاف إلى ذلك العمالة الأجنبية الأمية والمنحدرين من بلدان لا تتقيد في الأنظمة المرورية... وهذا هو الفارق ما بين مسؤول مروري يتكئ على خلفية علمية وفهم اجتماعي، وبين مسؤول مروري ينطلق ويندفع في اتجاه التطبيق مباشرة دون أن يعطي فرصة التوعية العامة لمدة طويلة وكافية ثم التدرج بالتطبيق وفق إستراتيجية قصيرة وطويلة المدى، خطة سنوية وإستراتيجية خمسية تتطابق تماماً مع الخطط الخمسية للدولة.. وأيضاً فارق بين مسؤول مروري يتمتع بالوعي وله عين الصقر ينظر من أعلى له أهداف محدودة وممنهج، وبين مسؤول مروري يتحدث وكأنه مندوب مبيعات أو محصل مالي للشركات المشغلة لنظام ساهر. وأنا أجزم أن هؤلاء ينطلقون من حماس ذاتي ولا لهم علاقة بالشركات، إنما لدى البعض حماسة في التطبيق والتنفيذ تجعله يقع بتلك الرمادية في حين يفترض أن يكون على الحياد يحافظ على حقوق المواطن المالية وممتلكاته ويحافظ أيضاً على تطبيق النظام في ظل وجود كاميرات ساهر أو غيرها.. وأن يتجه في حماسه إلى تنظيم السير وحل مشكلات الاختناقات المرورية وإيجاد الحلول الصحيحة بدلاً من أن يقبع خلف كاميرات ساهر وينشط ويفعل إجراءات التسديد والتحصيل ورفع الدخولات المالية وسحب الطواقم والأفراد المرورية من الشوارع وجعلها خلف الحاسبات وأجهزة الغرامات والمخالفات للتسريع في إجراءات التحصيل. وهذا يتم تحت غطاء خفض الحوادث وغياب حفظ حقوق وأموال الآخرين.