Al Jazirah NewsPaper Saturday  17/07/2010 G Issue 13806
السبت 05 شعبان 1431   العدد  13806
 
كأس العالم.. دروس في التنمية وتحقيق الأهداف
فضل بن سعد البوعينين

 

أعادت جنوب إفريقيا اكتشاف نفسها من جديد، وقدمت وجها حضاريا لدولة فقيرة ابتُليت بكثير من المشكلات السياسية، الاقتصادية، الأمنية، والاجتماعية. حتى العام 1994 كان يطلق عليها «الدولة العنصرية» لسيطرة الحكم العنصري عليها. خرجت من عصر العبودية الحديثة إلى عصر الانفتاح والحرية فوجدت المشكلات تُحيط بها من كل جانب. قامت، فتعثرت، إلا أن الإرادة تصنع المعجزات، وإن كنت أعتقد أن نجاح جنوب إفريقيا في تنظيم كأس العالم جاء بسبب الإرادة القوية والتخطيط السليم والقدرة على تحمُّل الأهداف شبه المستحيلة وتحقيق نتائج إيجابية مذهلة.

لم يكن أكثر المتفائلين يعتقد بتحقيق جنوب إفريقيا كل ذلك النجاح الذي أشاد به العالم، وتغنت به الصحافة العالمية ووكالات الأنباء. كيف يمكن لبلد كجنوب إفريقيا أن ينجح في تنظيم كأس العالم الذي يتطلب تنظيمه مليارات الدولارات، والتزامات ثقيلة، وبنية تحتية بمعايير ومواصفات عالمية، وتحقيق الأمن (المشكلة الأكبر في جنوب إفريقيا)؟. جندت كل طاقاتها لمواجهة «معركة المونديال»، ونظمت خطوطها، ووضعت برامجها المتكاملة وفق رؤية شاملة لا تقبل التراجع أو الفشل.

جنوب إفريقيا، الفقيرة، فاقدة الأمن، والمثقلة بالمشكلات، قدمت لنا دروساً في التنمية، وتحقيق الأهداف. قد لا يلغي النجاح المحقق في استضافة بطولة كأس العالم حقيقة المشكلات القائمة، إلا أنه يؤكد قدرة المجتمعات، بغض النظر عن ملاءتها المالية، على تحقيق التنمية وإن تركّزت في بعض الجوانب العاجلة المساعدة لتحقيق الهدف الرئيس.

برغم الملاءة المالية، ومشروعات التنمية محلياً، تتوارى ملاعبنا خجلاً من ملاعب جنوب إفريقيا الفقيرة. ملاعب صممت ونفذت وفق المواصفات العالمية، جمعت تصاميمها بين الثقافة المحلية والكفاءة والجودة. درر معمارية أكثر من كونها ملاعب كرة قدم. لم يُترك شيء للصدف، حتى منصة التتويج، وتجمع اللاعبين المتَوجين بنيت بعناية فائقة ورُبطت بالمقصورة الرئيسة. تألمت حين ربطت بين مشاهد التتويج في ملاعبنا، وغياب الصورة الحضارية، والنقل التلفزيوني الدقيق، وما حدث ليلة التتويج في درة الملاعب الإفريقية، وبرغم الكفاءات العلمية والخطط الاستراتيجية والإنفاق الحكومي السخي على قطاع الرياضة ما زلنا بعيدين كل البُعد عن تحقيق نجاح مشابه لنجاح الآخرين. وبرغم الوحدة الوطنية والتكوين الاجتماعي المتناغم نعجز عن توحيد صفوفنا خلف أهدافنا المحددة، الرياضية منها على وجه الخصوص، وهو السبب الرئيس لتراجع نتائج منتخباتنا الرياضية.

جنوب إفريقيا قدَّمت لنا درسا بليغا في تعامل الساسة مع منتخباتهم الوطنية، وقبولهم بتحمل الأخطار مقابل حضور مباراة واحدة، لا لإظهار الدعم، الاحترام، والمؤازرة فحسب، بل لمعايشة الحدث والاستمتاع ومشاركة الفريق مهمته الوطنية في أكبر تجمع رياضي عالمي. تخلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن دبلوماسيتها، وقيود البروتوكولات، وتحولت إلى مشجعة تقفز فرحاً في الهواء لتسجيل لاعبي منتخبها الأهداف، وتسابق الرؤساء، الوزراء، وكبار المسؤولين على تشجيع فرقهم الوطنية؛ لم تكن هناك قيود اجتماعية، أو دبلوماسية؛ فالرياضة لا تقل أهمية عن الأنشطة الوطنية الأخرى، إن لم تتفوق عليها، وهي رسالة نوجهها إلى كل من حاول تهميش الرياضة، وإنكار تأثيرها على المجتمع، أو الانتقاص من المنتمين إليها، أو مَنْ اعتقد أن الإنفاق عليها (ضرب من التبذير).

الشعب الإفريقي الفقير قدَّم لنا درساً في استقبال الضيوف، والعلاقة مع الزوَّار الأجانب، واحترام الآخرين؛ بل لا أبالغ إذا ما قُلْت إن بعض المجرمين ربما أخذوا إجازة استثنائية لحماية سمعة وطنهم في المحفل العالمي. لدينا مَنْ يحاول الإساءة إلى الوطن من خلال مسؤولياته الموكلة إليه؛ فيهدم من حيث يُنتظر منه البناء!. عندما تُقدَّم مصلحة الوطن والجماعة على المصلحة الخاصة تُصنَع المُعجزات، وهو ما حدث بالفعل في جنوب إفريقيا.

التنمية الرياضية والاجتماعية لدينا لم تصل بعد حد التوافق مع الإمكانات المتاحة، وجزء لا يُستهان به من خطط البناء والتشييد في القطاع الرياضي لم يُنجز برغم الوعود المُلزمة!. توقف المشروعات الرياضية والاجتماعية جعلنا متأخرين عما وصلت إليه الدول المجاورة، ودول فقيرة لا تتوافر لها أدوات النجاح المتاحة لنا. بدأنا قبلهم، وأصبحنا خلفهم، وما زلنا بعيدين عن تحقيق طموح وتطلعات المواطنين.

كم من الوقت والمال نحتاج لبناء ملاعب حديثة كالتي شاهدناها في جنوب إفريقيا، أو في بعض الدول المجاورة؟. أسأل دون أن أجيب، وما أكثر الأسئلة التي لا نجد لها إجابة مقنعة لدى المسؤولين. فهل من مُجيب؟.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد