أتابع كأس العالم متابعة مختلفة عن متابعة زوجي وأبنائي لها، ففي الوقت الذي كنت فيه أكاد أتميز من الغيظ لأن ابني طالب الأول الثانوي يتابع المباريات والتحليلات التي تعقبها بينما هناك امتحان ينتظره، يرد علي: ياماما هذا حدث لايتكرر إلا أربع سنوات بينما الامتحانات تتكرر كل يوم!!
ظاهرة كأس العالم جديرة بالمتابعة .. إنها صناعة فريدة من كل شيء من الرياضة والمهارة والتنافس والتعايش والتجارة والسحر والشعوذة والتقنية والمرح والتسلية.
هل قلت تسلية! الحقيقة لم تصبح تسلية إلا حين خرج البرازيل والأرجنتين فقد هدأ المنزل وأصبح كل من فيه يشاهد الكرة بأعصاب هادئة فقد خرجت الفرق التي تدعو للتنافس والاختلاف.
حتى أنا لم أكن أخفي خيبتي في هزيمة ألمانيا التي كنت ومازلت من أنصارها، حين يسألني ابني الصغير: لماذا ألمانيا ياماما؟ كنت أرد: لتقدمها وتعاطفا مع رئيسة وزرائها!
كنت التقيت حرم سفير الجزائر قبل خروج منتخب الجزائر قلت لها مازحة: (جهزتوا مكان تضعون فيه كأس العالم؟)، كنت أتمنى في دخيلة نفسي أن يرفع الجزائريون كأس العالم وكان سيكون أجمل لو رفعوه من منصة ملعب فرنسا، هنا تتداخل أحلام وخيالات العروبة مع حقيقة الكرة وواقع تأخرها الكبير في العالم العربي.
كل ظواهر الحياة الأخرى تجدها في محيط جنوب إفريقيا حيث جنون الكرة والهوس بها، تبهرك قدرة الشعوب على التعبير عن الفرح، يروقك أن تقرأ التصريحات الغريبة وتتابع ردود الفعل تجاهها, وتحمد الله أن بعضها لم يتحقق !!، حضور الساسة لمباريات بلدانهم أعطت أبعادا أخرى للحدث، وماتمثله كرة القدم من وسيلة لالتقاء الشعوب وتعايشهم، هذا التنظيم وهذه القدرة البارعة على توفير الإمكانات، البنية التحتية التي تستثمر جيدا، كل ماحول الكرة مسخر لها كي تسير نحو المرمى بسلاسة وتلهب المدرجات تشجيعا وأهازيجا، لايمكن أن تتغافل عن استغلال المرأة سواء في البرامج أو من خلال كاميرات المخرجين التي تبحث عن لقطات مثيرة هنا وهناك!
السحر والشعوذة تجعلك تستعيد ثقافة الدنبوشي التي ظهرت في ملاعبنا قبل سنوات واستغلال المشعوذين للرغبة المجنونة في الفوز وتسجيل الأهداف.
توقيت كأس العالم هذا العام حرم الكثيرين من متعة المشاهدة باسترخاء فقلق الامتحانات وقلق النتائج ثم استمرار الدوام جعل حلم حضور الفاينل في جنوب إفريقيا يتبخر, لعل السنوات القادمة تكون أفضل خاصة عندما تقام المسابقة في قطر.