حين ترغب في تعليم غيرك، وإن كان قطتك التي تربت في بيتك، وتعوَّدت نمط تعاملك معها، أن تسلك بطريقة مختلفة عما تعودت؛ فإنها ستحتاج منك إلى أن تبدل خبراتها، وتستبدلها بالجديد الذي تريد.. أنت لن يكون بوسعك أن تتمكن مما تريدها أن تعلمه بيسر، لكنك إن اجترأت عليها بقوة، فلا بدَّ أن يكون لقوتك مصادرها المؤثرة، وآلياتها النافذة، غير أنك وأنت تتعامل مع القطة لن يكون في إمكانك أن تفرض عليها ما تريد، وإن عجزت وحاولت بقسوة؛ لأنها ستتمرد بالغريزة، وتهجم عليك، وتنفخ في وجهك، وربما تقفز عليك بشراهة، وتخدشك بأظافرها، وتعضك بأنيابها؛ ستتحول إلى مدافع صريح عن خبراتها ومعارفها، ولن تتهمها حينئذ لا بالتخلف، ولا بالتقوقع، ولا بالجهل، ولا بالتحجر، وإنما ستتعرف إن كنت واعياً على أن القطة عندما تريد لها أن تبدل سلوكها فإن عليك أن تستبدل خبراتها بأساليب تمكنك من تحقيق مبتغاك للوصول إلى غاياتك، وإن لم تكن واعياً فسوف تصب جامَّ غضبك عليها، ولسوف ترمي عليها اتهاماتك لها، وآخر ما يمكنك التنفيس به عن حنقك وفشلك هو أن ترميها بصفة الحيوانية؛ فهي حيوانة؛ حتى تستجيب لك؛ فتذهب للتربيت عليها، ومسحها بيديك، ولن تمتنع عن المبالغة بتقليم أظافرها وتعطيرها وتقديم وجبة دسمة لها حين يتحقق لك ترويضها كما تريد منها أن تتصرف.., أرأيت كم من الناس اجترأت عليهم؛ فرميتهم بصفات جزافاً, فقط لأنك لم تستطع استبدال ما عندهم بما عندك..؟ غير أن اجتراءك على الإنسان أوسع وأكبر؛ لأنك بالتأكيد لن تستطيع أن تسمه بالحيوان، بل ستخترع الكثير من السمات له، ولسوف تحاصره بها، وستضيق عليه بصوتك وسوطك؛ لأنك تعيش في زمن الانفلات، بدعوى كل شيء لأي شيء، عدا أن تتسع الصدور للآخر الذي يختلف، ويعيش في سلام مع أي اختلاف أو تباين أو خلاف.