تعد الرياض عاصمة وطننا العزيز مدينة متطورة باتت تسير في دروب اللحاق بمصاف العواصم العالمية الكبرى، من حيث النمو والتقدم السريعين في كثير من المجالات الحيوية: كالعمران الحديث المتنوع المتوسع، والتنميات المتتابعة، وتحديث الطرق القديمة واستحداث الشوارع الجديدة، وإيجاد الموارد المتنوعة والمرافق المتعددة، والتشجير والتجميل المتألقين.
ولكن رغم كل ذلك فإن هناك تصرفات تشوه جمالها الذي ننشده دائما، ونحرص عليه جميعا مواطنين ومسئولين، ويصدر مع عظيم الأسف من فئة محسوبة على هذا الوطن العزيز، وخاصة بعض من امتلكوا ناصية العقار بقبضتهم الفولاذية التي سيطرت على الكثير من الأراضي فتحولت أسيرة تحت أيديهم تخضع لأوامرهم ونواهيهم، وتنقاد لهم البلديات بالسمع والطاعة، دون إحساس حقيقي بمصلحة الوطن الذي أعطاهم و يعطيهم الكثير، ودون رحمة بالمواطن الذي صار عسيرا عليه مجاراة مافيا العقار التي تتضخم باستمرار.
ولعل أبرز هذه الظواهر الملحوظة لكل ناظر والتي شوهت وما تزال تشوه وتصر على التشويه، تلك الشوارع الفرعية التي تحولت بقدرة قادر إلى أزقة ضيقة رغم أنها في أحياء جديدة وراقية، ومع ذلك يصل عرض بعضها إلى ثمانية أمتار في العديد من الشوارع، بل خمسة في بعض منها، وإذا توسعت فإن نفسها يضيق ولا يكاد يصل إلى أكثر من عشرة أمتار أو اثني عشر مترا على الأكثر، فهل يعقل هذا؟ أنضحّي بمصلحة البلد وجمالها وسعتها أمام البعيد والقريب والساكن والزائر ؛ من أجل أن ينال تجار العقار المزيد من المكاسب الوقتية التي لا تَشبَع أبدا، مع أنها لا تصل إلى شيء يذكر إذا قارنّاها بمصالح العاصمة التي هي مرآة البلاد!.
إضافة إلى التضييق على الناس في شوارعهم وأحيائهم، فإذا وقفت سيارات أصحاب المنازل على الجانبين عدا عن ضيوفهم وزائريهم فكيف ستمر السيارات الأخرى ولاسيما إذا تقابلت سيارتان على الأقل وهو المعتاد، وخصوصاً أن التوجه الآن هو عمل رصيف لكل منزل وزراعته، فبالله يا مسئولي الأمانة كيف سيكون الوضع؟ إن الأمر متناقض ومزرٍ حقا، ولا تظنّوه يخص أصحاب الدخل المحدود أو المعدود فحسب الذين لا يستطيعون شراء الأراضي والمباني التي تطل على شوارع خمسة عشر أو تشرف على العشرين، بل إن غالبية الناس سيمرون بها وسيشعرون بل هم شعروا بالاختناق والتعطل حقا! لذا فإن جميع سكان المدينة يتمنونها في مستوى العواصم الكبرى، ولا يريدون تكرار الأخطاء الماضية التي كانت في الشوارع والأزقة القديمة، واستمرارها حتى بعد اتساع الرياض وزيادة عدد سكانها زيادات مطّردة؟
إن أكثر المرافق تواصلا مع المواطنين هي البلديات ومع ذلك يلاحظ الناس أنها من أكثر المواقع الرسمية التي تزيدهم إحباطا وعدم استجابة لن نقول لطلباتهم بل لرجاءاتهم وحقوقهم على الأقل، فمما يؤلم من بعض بلديات العاصمة على سبيل المثال أيضا: أنها تتسامح بل وتتعاطف مع مالكي العمارات التي ابتليت بها كثير من أحياء الرياض السكنية في الآونة الأخيرة، وذلك حتى في أيسر الأمور التي تضر المواطن، حيث نرى في كل حي من الأحياء الجديدة أن مالكي العمائر لا يضيرهم أن يكوّموا أتربتهم الكثيرة المستخرجة من حفريات عمائرهم في أقرب مكان بجانب بيوت مسكونة بالناس، وتصل تلك الأتربة إلى الأدوار العليا، وكأنه رماها في بر مهجور ليس به بشر تصيبهم حساسية الأتربة واختناق التنفس وتبعث بهم إلى الطوارئ.
فهل مصائب أناس عند غيرهم فوائد؟ وهل هناك مسلم أصبح لا يضيره أن يطبق المبدأ المنحرف: أنا ومن بعدي الطوفان؟ وهل سيستمر هؤلاء من معدومي المسئولية يعيشون في ظل قانون: من أَمِنَ العقوبةَ أساء الأدب؟ ولماذا يطبق عقاب ترك مخلفات البناء على أصحاب المساكن الصغيرة ولا يطبق على أصحاب العمارات الكبيرة؟ فإلى متى ستستمر هذه الإحباطات وتزداد يا منسوبي البلديات والعقارات ونحن أمانة في أعناقكم ومسئولية أنتم مسئولون عنها في الدنيا والآخرة، وفقكم الله للعدالة والسداد؟!
g.al.alshaikh12@gmail.com